الانتخابات الفرنسية 2022.. مرشحو القاع يصارعون "عتبة الموت"
في القاع يشتد سباق أكثر حدة من سباق المقدمة في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، في ظل ترجيح الاستطلاعات هوية المتأهلين للجولة الثانية
ففي ذلك السباق، الصوت يحدث أثرا في الجولة الأولى، ويمكن أن ينقذ الحاصل عليه من كابوس ومصير صعب، فما هو سباق القاع؟
لشرح فكرة "عتبة الموت" أو "سباق القاع" نعود بالزمن إلى 22 أبريل/نيسان 2012، وقت إعلان نتجية الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث وقفت إيفا جولي، المرشحة الرئاسية المهتمة للبيئة، تعترف بالهزيمة في الاقتراع.
لكن الأسوأ من الهزيمة في الجولة الأولى وعدم الترقي لجولة الإعادة، كان حصول إيفا جولي على 2.31٪ من الأصوات، وهي أقل بكثير من عتبة الـ5٪، ما منعها من الحصول على مساهمة حكومية كبيرة في نفقات حملتها الانتخابية.
وكان هذا بمثابة الكابوس لجولي، التي كانت تتوقع في بداية الحملة، حصولها على أصوات تفوق بخمس أضعاف ما حصدته في النهاية، وتحولت إلى ذكرى مؤلمة في أذهان البعض، ومصدر رعب للبعض الآخر في الانتخابات الرئاسية اللاحقة.
ولا يزال إيف كونتاسوت، أمين صندوق حملة جولي، يذكر خيبة أمل عام 2012، ويقول لصحيفة لوبارزيان الفرنسية، "كل شيء كان واعدا في يونيو/حزيران 2011، حيث كانت استطلاعات الرأي قبل 10 أشهر من الانتخابات تشير إلى حصول المرشحة على أصوات تصل إلى 10% في الجولة الأولى".
لكن الأمور بدأت تسوء في الاستطلاعات مع الوقت، وتهاوت جولي رويدا رويدا حتى حاجز الـ٥%، وعندها كل شيء بدأ يتغير، حيث اتبعت الحملة أسلوب التقشف، والتكيف وتعديل الميزانية والقص منها، لكن كان هناك أمل قبل الاقتراع في تخطي العتبة.
وعتبة الـ5٪ مصيرية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إذ يحصل المرشح الذي يحصد أصوات أعلى منها، على مساهمة حكومية في نفقات حملته بنسبة تصل إلى 47.5٪ من الحد الأقصى الذي حددته الدولة للإنفاق الانتخابي، أي يحصل على ما يزيد قليلاً عن 8 ملايين يورو من سقف إنفاق يبلغ ١٦ مليون يورو للجولة الأولى.
أما إذا حصل المرشح على أصوات أقل من الـ5%، يحصل على تمويل حكومي يغطي فقط 4.75٪ من نفس السقف، أي ٨٠٠ ألف يورو فقط، ما يعني تحمل الحزب والمرشح فارقا كبيرا جدا في ميزانية الحملة.
ويقوم تمويل الحملات الرئاسية في فرنسا على عملية اقتراض من البنوك في فترة الدعاية أقرب إلى السحب على المكشوف، ويكون الحزب هو ضامن وممثل المرشح لدى البنك، لذلك فإن عدم حصول المرشح على أصوات تتجاوز الـ5% يضعه والحزب في موقف صعب للغاية، وقد يصبحان مدينين للبنوك.
وأمام هذا السيناريو، يتجه المرشحون الذين يعرفون أنهم سيحصلون على أقل من 5٪، حتى لو قالوا إنهم سيفوزون بالاقتراع، إلى تعديل الميزانية وإنفاق القليل، وفق الباحث المتخصص في الانتخابات رومان ماتيو.
ويقول ماتيو في تصريحات صحفية "نادرًا ما ينفق المرشحون الصغار أكثر من 800 ألف يورو، وهي مقدار الدعم الحكومي الذي يحصل عليه المرشح الحائز على أقل من 5%"، فعلى سبيل المثال أنفق المرشح فيليب بوتو 770 ألف يورو في الجولة الأولى من انتخابات 2017، وناتالي أرثود 930 ألف يورو".
وتابع: "تُظهر نفقات هؤلاء المرشحين أنهم يعتقدون أنهم يخسرون" الانتخابات. لكن المرشح الاشتراكي بينوا هامون غامر بشدة رغم تأكيد استطلاعات الرأي حصوله على أقل من 5% في الجولة الأولى من انتخابات 2017، وأنفق ١١.٥ مليون يورو في الدعاية، ونجح في النهاية في الفوز بـ6.4٪ من الأصوات.
ماتيو يرى أن المرشحين الذين ينفذون الحملات وسط تفائل وتوقعات كبيرة بالمنافسة، وينفقون الكثير من المال، وينتهي بهم الحال بالحصول على أصوات أقل من 5%، هم الأكثر صدمة وخسارة للأموال.
ويقول إيف كونتاسوت "هذا ما حدث لإيفا جولي في 2012"، مضيفا أن الحملة تدار وفق تفويض سحب على المكشوف أكثر من كونه قرضا يمنحه لنا البنك.
وتابع "عندما لاحظ البنك أننا نقترب من حاجز الـ5٪ في استطلاعات الرأي، أغلقوا الصنبور، ولم نعد نستطيع الاقتراض.
ومضى قائلا "خفضنا بسرعة الأشرعة، وعقدنا اجتماعات أقل، وأخذنا غرفا أصغر لأنها كانت أرخص، وتوقفنا عن وضع الرافعات أو الشاشات العملاقة التي تحمل صور مرشحتنا".
وبالتالي، فإن عدم الوصول إلى 5% من الأصوات يعني الشروع في سباق جديد بمجرد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات: سباق سداد ديون البنوك، ويكون على المرشح أن يسد الفجوة بين الدعم الحكومي المتواضع وما اقترضه.
وفي عام 2012، كانت إيفا جولي مدينة عقب الانتخابات أكثر من مليون يورو (من أصل 1،812،000 يورو تم إنفاقها في الحملة).
وللخروج من هذه الورطة، دعا إيف كونتاسوت في ذلك الوقت مؤيدي المرشحة إلى تقديم تبرعات، حتى تكون المرشحة وحزبها قادرين على تحمل ما تبقى من عجز.
لكن وطأة الديون تكون أكثر حدة على الأحزاب الصغيرة التي لا تملك أصولا أو نفقات يمكن أن تدفع البنك لتقسيط أو تأجيل السداد، فيما تتعايش الأحزاب الكبيرة مع الديون إلى حد ما.
وعلى سبيل المثال، فإن الحزب الجمهوري مدين للبنوك بنحو 17 مليون يورو، فيما يجلس الحزب الاشتراكي في وضعية أفضل بديون 8 ملايين يورو، ويحاول الحزبان التعايش أحيانا، وسداد الديون على حساب الأنشطة السياسية والحملات الدعائية في الانتخابات بكل مستوياتها.
وماذا سيحدث إذا لم ينجح أي مرشح أو حزب في سداد ديون الحملة الانتخابية الرئاسية؟ هنا يقول كونتاسوت "يمكن في هذه الحالة مصادرة ممتلكات المرشح الخاصة أو حساباته المصرفية أو منزله وما إلى ذلك، كما أن الحزب، الذي غالبًا ما يكون وكيل المرشح لدى البنك "يمكن أيضا أن يتعرض لمصادرة ممتلكاته"، إلا أن هذه السيناريوهات لم تحدث في أرض الواقع من قبل.
وينافس الرئيس إيمانويل ماكرون 11 مرشحا آخرين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، غير أن استطلاعات الرأي تتوقع صعوده مع مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان لجولة ثانية حاسمة في 24 أبريل/نيسان الجاري.
وينتهي التصويت في تمام الساعة 18:00 بتوقيت جرينتش، إذ سيتم حينها نشر أول استطلاعات آراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع. وعادة ما تكون هذه الاستطلاعات موثوقة للغاية في فرنسا.
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuNDcg جزيرة ام اند امز