محللون فرنسيون يدعون باريس لمقاطعة قطر وتجفيف منابع تمويل الإخوان
محللون فرنسيون حذروا لـ"العين الإخبارية" من تنامي العنف في أوروبا وفرنسا بشكل خاص على يد تنظيم الإخوان الإرهابي.
أدركت فرنسا مؤخراً حجم التهديدات التي يشكلها الإسلام السياسي في البلاد، وخطره على تماسك الجمهورية الفرنسية، عبر المنظمات المحسوبة على تنظيم الإخوان الإرهابي هناك.
ودعا محللون فرنسيون بلادهم إلى ضرورة قطع العلاقات مع قطر وتجفيف منابع تمويل تنظيمات الإسلام السياسي في فرنسا المتمثلة في الإخوان.
تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة أفصحت عن الشعور بذلك الخطر، عندما أكد في خطاب وجهه إلى الفرنسيين أن "الإسلام السياسي يمثل تهديداً ويسعى للانعزال عن الجمهورية الفرنسية".
وأعرب ماكرون عن رغبته في تعزيز المراقبة على عمليات التمويل القادمة من خارج بلاده للجماعات تعتنق فكرًا متطرفًا، وسيتم التعامل معها على أنها تهديد.
- "أوراق قطر".. كيف مولت الدوحة الإرهاب في أوروبا؟
- مؤلفا كتاب "أوراق قطر": الدوحة تغرس شوكة الإرهاب بأوروبا
وقال ماكرون:" ينبغي علينا ألا نحجب أعيننا عن الحقائق؛ نحن نتحدث عن أناس أرادوا باسم الدين مواصلة مشروع سياسي يريد أن يُحدث انقساماً داخل جمهوريتنا".
المخاوف الفرنسية عبر عنها كتاب" أوراق قطر" الذي طرح مؤخرا للصحفيين الفرنسيين جورج مالبرنو وكريستيان شينو والذي كشف عن حجم التمويل القطري للمؤسسات الإخوانية في أوروبا والتي باتت تشكل خطراً جسيماً على القارة العجوز بأكملها.
ويحذر المحللون من تنامي العنف في أوروبا وفرنسا بشكل خاص على يد تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي لا يزال يتلقى دعماً من قطر وتركيا وكرّس منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي وأذرعه الإعلامية لاستدراج الشباب الفرنسي الساخطين على سياسات فرنسا.
خطر الإخوان على أوروبا
حول ما إذا كانت تصريحات ماكرون وخطته لتحجيم الإسلام السياسي تنم عن شعور عميق بالخطر، وإرادة قوية لإصلاح الوضع، قال الكاتب الفرنسي إيمانويل رزافي": لابد أن نسمي الأشياء بأسمائها، الإسلام السياسي، وهو تنظيم الإخوان، الذي يريد الإطاحة بالنظام القائم، واستخدام مبادئنا الديمقراطية لتأسيس خلافة مزعومة كما هو مدون في نصوصهم، على غرار ما يدعو إليه تنظيم داعش الإرهابي."
وعبر مؤلف كتاب "قطر الحقائق المحظورة" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" عن اعتقاده أن الفرنسيين أصبحوا مدركين شيئا فشيئاً، لخطر الإخوان، لكن الدولة الفرنسية في حد ذاتها ليست كذلك"، مدللاً على ذلك بالقول: "قبل بضع سنوات وضعت دول عدة اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا على قائمة المنظمات الإرهابية، المحسوب على تنظيم الإخوان الإرهابي، لكن فرنسا تعده تنظيما قانونيا".
وتساءل الكاتب الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط: لماذا لم تتخذ فرنسا الخطوة نفسها ضد الإخوان؟.
تمويل قطر للتطرف في أوروبا
أشار رازافي إلى أن كتاب "أوراق قطر" لم يكن الوحيد الذي تطرق إلى إشكالية خطر التمويل القطري لإخوان أوروبا على البلاد، موضحاً أن هذه النقطة موضع اهتمام العديد من الصحفيين والمثقفين الذين ينددون بالتمويل القطري للتطرف وتيار الإسلام السياسي في أوروبا منذ أكثر من خمسة عشر عاماً".
ولفت الكاتب الفرنسي إلى أنه كشف النقاب عن مشروع الإخوان في أوروبا في كتاب بعنوان "الإخوان المسلمين في ظل تنظيم القاعدة" أصدره عام 2005، وتطرق خلاله لتمويل قطر للتنظيمات المتطرفة في فرنسا.
كما أشار في كتابه "قطر الحقائق المحظورة" إلى رعاية قطر لتنظيم الإخوان الإرهابي حول العالم، داعيا فرنسا لضرورة إعادة النظر في علاقتها مع قطر، لكونها دولة ترعى التنظيمات الإرهابية".
خطة فرنسية لتحجيم الإسلام السياسي
وحول التدابير التي ستتخذها الحكومة الفرنسية لمواجهة هذا التهديد، أكد رزافي أن أجهزة الأمن الفرنسية قوية جداً في مجال مكافحة الإرهاب، وعلينا توجيه إليها التحية في هذا الملف، ولكن هذه الجهود غير كافية، أمام التهديدات التي يشكلها تنظيم الإخوان الإرهابي الخبيث الذي ينهش في القارة العجوز كالنار في الهشيم.
وحذر الكاتب الفرنسي من أذرع الإخوان في فرنسا الذين يروجون إلى أفكارهم، ووصفهم بمنظري الإخوان من أصحاب الخطاب المزدوج، الذين يبعثون الاطمئنان في نفوس الفرنسيين ويزعمون باحترام الديمقراطية، ولكن تاريخهم منذ عام 1928 يشير إلى عكس ذلك فهم يسعون إلى تكميم أفواه كل من يعارضهم ولا يعرفون معنى الديمقراطية.
وندد رازافي بمحاولة قطر لشرائه وابتزازه بعد كتب عدة أصدرها، فضح خلالها تصرفات الإمارة المشبوهة في دعم وتمويل الإرهاب، وكتابه الأخير الذي أشار فيه إلى احتجاز المقاول الفرنسي جون بيير مارونجي الذي كان سجيناً لدى الدوحة".
وقال رازافي إن قطر "التي ترعى تنظيمات تابعة للإخوان، تحاول شراء السياسيين الرجال والنساء، المثقفين، والصحفيين، والرياضين، كما تستخدم الوسائل نفسها التي استخدمها النظام النازي خلال الحربين العالميتين".
وأشار الكاتب الفرنسي إلى أن أذرع قطر في فرنسا وجماعات الضغط (اللوبي) المتمثل في منظمة مسلمي فرنسا، حاولوا ابتزازه بتقديم تمويل للموقع الإخباري الذي أديره (globalgeonews).
ودعا رزافي فرنسا إلى قطع صلاتها بقطر ووقف أي تجارة معها، كما دعا بلاده إلى تجفيف منابع تمويل الإخوان في فرنسا.
وفي نهاية يونيو الماضي، أعلنت الحكومة الفرنسية إطلاق اجتماعات في المناطق الفرنسية ترمي إلى وضع إطار للنشاطات ذات الطابع الإسلامي وسبل تمويلها.
من جانبها، أشارت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إلى أن "ماكرون رسم ملامح المرحلة الثانية من ولايته، عن طريق إصراره في المضي قدماً للإصلاحات التي وعد بها لا سيما فيما يتعلق بقضايا العلمانية والإسلام السياسي والهجرة".
فيما رأت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية أن ماكرون لن يتهاون أمام تيار الإسلام السياسي الذي يسعى للانفصال عن قيم الجمهورية.
قطع العلاقات مع قطر
في هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بمدرسة جنيف للدبلوماسية، جيل إيمانويل جاكيه، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" إن الرئيس ماكرون يتفهم جيداً أن الإسلام السياسي بات مصدر قلق المواطنين الفرنسيين، بل يتعين عليه اتخاذ تدابير تجاه هذه التهديدات وهو ما ينتظره الفرنسيون".
وأضاف المحلل السياسي الفرنسي أن ماكرون أدلى بهذه التصريحات رداً على انتقادات المعارضة الفرنسية، لا سيما من قبل الحزب الجمهوري (اليمين)، والتجمع الوطني (اليمين المتطرف) بزعامة مارين لوبن، الذين يتهمون ماكرون بالتساهل في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب الذي يشكله الإسلام السياسي في البلاد.
وأشار جاكيه إلى أن ماكرون ليس الرئيس الفرنسي الوحيد الذي أراد مكافحة الإسلام السياسي في البلاد، موضحا ًأن أسلافه فرانسوا هولاند، ونيكولا ساركوزي أعربا في الماضي عن رغبتهما في اتخاذ تدابير ضد مشكلة تنامي حركات الإسلام السياسي المتمثلة في الإخوان في فرنسا.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن "مشكلة حركات الإسلام السياسي والإرهاب ليس بجديدة على الدولة الفرنسية، التي قد تواجه هذه المشكلة منذ الثمانينيات لا سيما في فترة التسعينيات عندما شنت تنظيمات مسلحة هجمات على الأراضي الفرنسية".
وأشار جاكيه إلى أنه "إذا ما رغبت فرنسا حقاً اتخاذ تدابير ضد هذه التهديدات وحل هذه المشكلة، فيجب عليها قطع علاقتها مع قطر، وإعادة النظر في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط"، موضحاً أنه لم يجرؤ أحد من أسلافه اتخاذ تلك الخطوة بقطع العلاقات مع قطر التي تعد أحد المستثمرين الرئيسيين في الاقتصاد الفرنسي".