10 سنوات على الوجود الفرنسي في مالي.. ما الذي تغير؟
في مثل هذا اليوم من عام 2013، حطت عملية "سرفال" الفرنسية الرحال في مالي لنجدة البلد الأفريقي ومنع تقدم الإرهابيين من الشمال إلى الوسط.
حينها، كانت مالي تواجه أزمة أمنية خانقة عقب سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق في شمالها، ومحاولة تمدد إرهابيي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب" من الشمال إلى العاصمة وسط البلاد.
وصل الجنود الفرنسيون تلبية لطلب عاجل من الرئيس الانتقالي لمالي آنذاك، ديونكوندا تراوري، ونجحوا في معاضدة الجهود المحلية لوقف المد الإرهابي المتنامي بشكل مخيف في ذلك الوقت.
وبعد ثلاثة أسابيع فقط من بدء التدخل، زار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند مالي، وحظي باستقبال الفاتحين احتفاء باستعادة مدينتي غاو وتمبكتو من الإرهابيين.
لكن اليوم، وبعد مرور 10 سنوات على تدخل باريس بالبلد الأفريقي، لم يعد الوجود الفرنسي مرغوبا فيه من قبل السلطات في مالي، وأيضا من قسم واسع من الشعب، وسط مشاعر عدائية عجلت بمغادرة الفرنسيين.
فما الذي حدث لينقلب الوضع رأسا على عقب في 10 سنوات؟
بداية القصة
في الليلة الفاصلة بين 10 و11 يناير/ كانون ثاني 2013، بدأت قصة باريس في مالي، حيث وصلت القوات الفرنسية إلى باماكو ومنها إلى تمبكتو في الشمال.
لم يكن الأمر يحتمل أي تأخر في تنفيذ الضربات ضد مسلحي القاعدة وحلفائهم ممن كانوا يخططون للزحف نحو الوسط، والدخول إلى العاصمة رمز الحكومة الانتقالية حينها.
وفي مثل هذا اليوم، قصفت طائرات الجيش الفرنسي منطقة كونا بالقرب من موبتي التي كان الإرهابيون سيطروا عليها للتو.
وفي أعقاب ذلك، نشرت قوة سرفال عرباتها المدرعة وجنودها على الأرض - ما يصل إلى 5000 رجل - واستعادت المدن الرئيسية بالشمال في أقل من شهر، وذلك بعد عام من سقوطها بقبضة عناصر القاعدة في بلاد المغرب.
ولاحقا، تطورت الأحداث بشكل سريع، حيث حاولت المجموعات الإرهابية إعادة تنظيم صفوفها بما يتوافق مع الوافدين الجدد (العملية الفرنسية)، واضطرت باريس من جانبها لتغيير عمليتها من "سرفال" لـ"برخان".
تحولات جرت وسط تصفيق وترحيب من قبل السلطات في مالي، ولم يكن أكثر المتشائمين ليعتقد أن كل ذلك سيتلاشى ويتحول تدريجيا إلى ما يشبه خيبة الأمل وانعدام الثقة.
تعاونت القوات الفرنسية مع متمردين انفصاليين من منطقة كيدال شمالي مالي، والتي كانت باريس تصنفهم على أنهم مختلفون عن المتشددين، وتعتبر أن أزمتهم مع باماكو تكمن في خلاف سياسي سيجد لاحقا حله في اتفاق السلام الذي سيوقع في 2015.
كيدال.. الخطيئة
دخل الجيش المالي جنبا إلى جنب مع القوات الفرنسية إلى غاو ثم تمبكتو، وتم تحرير المدينتين من الإرهابيين، لكن عجز الاثنان عن دخول منطقة كيدال، وكانت تلك الخطيئة التي لم يغفرها قسم واسع من الماليين رغم مرور الزمن.
لم يستوعب هؤلاء كيف لقوات تمتلك كل تلك القدرات والتجهيزات العسكرية أن تفشل في دحر التنظيمات الإرهابية بشكل كامل، وكان ذلك أكبر أسباب تعكر العلاقات بين الجانبين.
ضغينة يبدو أنها لم تتبدد بمرور الوقت، وقادت المشاعر المعادية في نهاية المطاف إلى طرد الفرنسيين، حيث دفعت السلطات الانتقالية الناتجة عن الانقلاب العسكري في أغسطس/ آب 2020، عملية برخان للمغادرة، وهو ما حصل العام الماضي.
وبمغادرة القوات الفرنسية، ظهرت سريعا الارتدادات في مالي، حيث تمدد نطاق العمليات الإرهابية لتصل حدود موريتانيا غربا، وتفاقمت التداعيات لتعبر الأسوار وترفع المخاطر في منطقة الساحل بأسرها.
خبايا التغيير
الباحث الموريتاني حسان كوني، الخبير في الشؤون العسكرية بمعهد الدراسات الأمنية بالعاصمة السنغالية داكار، قدم قراءته في التغيرات الحاصلة في مالي، ويشرح لماذا لم تعد عملية مثل سرفال، التي أشاد بها سكان مالي في 2013، ممكنة اليوم؟
ويقول كوني، في حديث لإعلام فرنسي، إنه في عام 2013، لم يكن لدى مالي خيار آخر، وكان من الضروري طلب المساعدة من فرنسا لإبطاء الأعمدة الإرهابية التي كانت تتقدم نحو الجنوب.
وأضاف أن عملية سرفال أتاحت على وجه التحديد إبطاء هذا التقدم ومن ثم البدء في استعادة الشمال، مما يفسر الاستقبال الشعبي الذي حظيت به المركبات المدرعة الفرنسية والرئيس (فرانسوا أولاند) عند وصوله إلى تمبكتو وباماكو.
ومستدركا: "لكن استمرارية برخان للأسف لم تنجح في استئصال الإرهاب بشكل كامل. كانت هناك نتائج جيدة للغاية مثل تدمير العديد من مخابئ الأسلحة ومعسكرات التدريب وتصفية الكثير من قادة التنظيمات".
ومع ذلك، يتابع الخبير: "يرى السكان أنه حتى اليوم، يواصل الإرهابيون قمع واحتلال مساحات شاسعة من الأراضي، وانطلاقا من ذلك لم يعد التدخل الفرنسي والقوات الأجنبية عموما موضع تقدير بنفس الطريقة".
وأعرب الخبير عن اعتقاده بأن "تدخلاً من هذا النوع اليوم، بنشر الوحدات على الأرض، لم يعد مناسبًا. قد يكون من الضروري العودة إلى الممارسات القديمة من قبيل الدعم الجوي، لأن هذه البلدان (مالي وجيرانها في الساحل) لديها عجز كبير في ناقلات الهواء والذكاء والدعم محدود في الوقت المناسب".
وختم بالتأكيد على أن "الوجود العسكري الأقل قوة وظهورا سيكون أكثر فاعلية، والأهم أنه سيملأ الفجوات الحاصلة بصفوف الجيوش الوطنية".
aXA6IDMuMTQ3LjIwNS4xOSA= جزيرة ام اند امز