مارين لوبان تعود إلى برلمان فرنسا.. «إثبات وجود» أم «إعلان خضوع»؟

إلى قصر بوربون مقر البرلمان الفرنسي في باريس، عادت زعيمة أقصى اليمين مارين لوبان بعد أسبوع فقط من زلزال حكم بالسجن وعدم الأهلية بحقها.
وأواخر مارس/آذار الماضي، حكم القضاء الفرنسي بمنع لوبان، وهي زعيمة حزب «التجمع الوطني» (أقصى اليمين) من الترشح للانتخابات لخمس سنوات، ما يعني أنها لن تتمكن من المنافسة في رئاسيات 2027.
كما حُكم عليها بالسجن أربع سنوات، اثنتان تحت المراقبة بسوار إلكتروني.
ورغم أنه لا أحد توقع عودة لوبان إلى المؤسسة التشريعية الرابضة على الضفة الغربية لنهر السين، فإن خبراء سياسيين فرنسيين عدوا أن عودة لوبان بمثابة محاولة لتغيير استراتيجيتها السياسية بعد فترة من التركيز على مهاجمة النظام القضائي.
كما رجحوا أن يعكس هذا التغيير رغبتها في الحفاظ على تأثيرها السياسي وسط الأزمات القضائية التي تواجهها.
استراتيجية جديدة؟
يرى الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون أقصى اليمين، جون إيه كامو، أن مارين لوبان قد تكون بصدد تغيير استراتيجيتها السياسية بعد عودتها إلى الجمعية الوطنية عقب الحكم القضائي الصادر ضدها.
ويقول كامو، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه في خطوة مفاجئة، ظهرت لوبان في البرلمان بعد فترة من التركيز على مهاجمة النظام القضائي، لتعود إلى موقعها القيادي في البرلمان الفرنسي.
وأوضح أنه «جرى استقبال لوبان بحفاوة من قبل نوابها، فيما تناولت موضوعًا لطالما كانت تدافع عنه، في ظل خلفية قانونية مثيرة للجدل بسبب حكم قضائي سابق بحقها».
وبدأت لوبان حديثها حول موضوع كان واحدًا من أبرز أولوياتها، في أول مداخلة لها في البرلمان الفرنسي منذ صدور حكم قضائي بحرمانها من الترشح للانتخابات لمدة خمس سنوات في قضية المتعاقدين البرلمانيين التابعين لحزبها (حيث قدمت استئنافًا)، لتستعيد بذلك روتينها البرلماني المعتاد.
والثلاثاء الماضي، استغلت لوبان فرصة التصويت على تعديل حق الأرض في جزيرة مايوت (تابعة لفرنسا) لكي تُنهي ردود فعلها على حكم المحكمة الجنائية في باريس وتعود إلى مكانها المريح في قصر بوربون.
وكان الموضوع السياسي يناسب تمامًا زعيمة أقصى اليمين، حيث دعم نوابها تمرير هذا القانون الذي يفرض أن يُثبت الوالدان في مايوت أنهما قد عاشا في البلاد لمدة عام على الأقل حتى يتمكن طفلهما من الحصول على الجنسية الفرنسية.
وفي خطابها، جددت رغبتها في "إلغاء حق الأرض تمامًا، وليس فقط في مايوت، ولكن على مستوى كامل الأراضي الفرنسية".
لعبة تأثير؟
في المقابل، عد أستاذ العلوم السياسية الفرنسي دومنيك رينيه، أن هذا التغيير في سياسة لوبان قد يعكس رغبتها في الحفاظ على تأثيرها السياسي وسط الأزمات القضائية التي تواجهها.
وأشار رينيه، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إلى أن لوبان تسعى إلى «إغواء الرأي العام الفرنسي في محاولة للضغط على السلطة التنفيذية والقضائية لتعزيز وجودها السياسي، وعدم حرمانها من الترشح للانتخابات السياسية».
ولفت إلى أنه من الناحية القانونية، فإن مسألة حرمانها من ممارسة أي نشاط سياسي مسألة أيام لحين الطعن على الحكم بعد الاستئناف المرتقب في 2026.
ورغم الحكم الصادر بحقها، فإن لوبان لا تزال تشغل منصب مستشارة محلية في دائرة هينين-بومون، بحسب ما كشفته صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية.
وبعد إدانتها في المرحلة الأولى من القضية، بحرمانها من الترشح لمدة خمس سنوات مع التنفيذ الفوري في قضية مساعديها البرلمانيين لحزب «الجبهة الوطنية» (الاسم السابق لحزبها)، لم يكن من المتوقع أن تتمكن لوبان من ممارسة أي منصب برلماني.
لكنّ الصحيفة ذكرت أن زعيمة «التجمع الوطني» لا تزال تشغل منصب مستشارة محلية في دائرة هينين-بومون (بمنطقة باس دو كاليه/ شمال).
ورغم أن الحكم لا ينطبق على منصبها البرلماني الحالي نظرًا لأنه منصب وطني، فإنه يتعلق بالمناصب المحلية التي تشغلها منذ يوليو/تموز 2021.
دهشة وجدل
أثار استمرار لوبان في شغل المنصب الدهشة لدى النائب من إيور-إت-لور، هارولد هيوار، المتحدث باسم مجموعة النواب المستقلين.
وكتب النائب إلى وزير الداخلية برونو ريتاليو يقول: «ماذا يحدث؟ عادة ما يتم اتخاذ هذه القرارات في غضون 48 ساعة! هل من الصعب تطبيق حكم قضائي بسيط في المواعيد المحددة؟».
وأضاف: «هذه الإدانة يجب أن تؤدي، وفقًا للأنظمة القانونية المعمول بها، إلى استقالتها من المنصب المحلي. لكن بعد أكثر من أسبوع من هذا الحكم، يبدو أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل محافظ باس دو كاليه».
وعاد النائب من ليوت على مثال رشا دي سايندو، نائبة مايوت، والتي تمت إدانتها في يونيو/حزيران 2024 بالحرمان من الترشح لمدة أربع سنوات مع التنفيذ الفوري بسبب استغلال غير قانوني للنفوذ، والتحايل على الأموال العامة، والمحسوبية.
وقال معقبا عن ذلك: «في غضون 48 ساعة من هذه الإدانة، أصدر محافظ مايوت قرارًا بفصلها من مهامها الانتخابية».
أما مارين تونديلييه، رئيسة حزب الخضر وعضوة المعارضة في هينين-بومون، فقد ذهبت في نفس الاتجاه، قائلة: «لقد سئمنا من أن يتم ربط هينين-بومون دائمًا بالفضائح السياسية والمالية».
وأضافت: «لا نريد أن تكون لدينا مستشارة محلية تمثلنا وهي معروفة بأنها غير مؤهلة للترشح»، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية.
من جهته، شرح وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو في تصريحات لوسائل الإعلام الفرنسية قائلا إن «إصدار القرارات من قبل المحافظين هو مسألة أيام، وهي قيد موافقة مكتب الوزير».
وبحسب مكتب محافظ با دو كاليه، «تم استلام إشعار الحكم، وهو ضروري لبدء الإجراءات، ويجري حاليًا إتمامها بناءً على ذلك».
aXA6IDMuMTMxLjk1LjE1OSA=
جزيرة ام اند امز