أكثر من 300 طلب للجوء العلمي حتى الآن.. فرنسا تفتح أبوابها للعقول الأمريكية

تلقت فرنسا أكثر من 300 طلب للجوء العلمي وبرنامج بـ100 مليون يورو لمواجهة تضييقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. يأتي هذا في الوقت الذي تتجه فيه فرنسا لتصبح وجهة بديلة وملاذًا علميًا آمنًا للباحثين الأمريكيين،
من أبرز الأمثلة على استجابة المؤسسات الفرنسية لهذه المبادرة، التي تستهدف الذين باتوا يعانون من تضييقات سياسية وتمويلية متزايدة في بلادهم. ما أعلنته جامعة إيكس-مرسيليا، إحدى أعرق الجامعات البحثية في جنوب فرنسا، حيث كشفت أنها بصدد توظيف نحو 20 باحثًا أمريكيًا ضمن برنامج حكومي جديد يرمي لاستقطاب الكفاءات العلمية من الولايات المتحدة، بحسب محطة "فرانس.إنفو" التلفزيونية الفرنسية.
في مبادرة تحمل بعدًا علميًا واستراتيجيًا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الإثنين، عن إطلاق برنامج استثنائي لاستقطاب الباحثين الأمريكيين الذين تأثرت أعمالهم وسُبل تمويلهم الأكاديمي بسبب السياسات العلمية المتشددة التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأوضحت الجامعة أنها ستقدم للباحثين عقودًا تمتد لثلاث سنوات، إلى جانب دعم مالي وتقني شامل يمكّنهم من استكمال أبحاثهم، خصوصًا تلك التي أصبحت تصنَّف في الولايات المتحدة كمواضيع "حساسة" أو "غير مرغوب فيها". وفي هذا السياق، أكدت إدارة الجامعة أن أكثر من 300 باحث أمريكي تقدموا بالفعل بطلبات عبر الموقع الرسمي للمبادرة، في خطوة تعكس الطلب الكبير والرغبة الملحّة لدى نخبة من العلماء الأمريكيين في الانتقال إلى بيئة أكاديمية أكثر حرية واستقرارًا.
وتأتي هذه الخطوة ضمن برنامج أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر "Choose Europe for Science"، والذي كشف فيه عن تخصيص 100 مليون يورو لدعم استقطاب الباحثين من الخارج، في رسالة سياسية وعلمية واضحة تؤكد سعي باريس إلى الريادة العلمية في زمن التراجع الأمريكي.
وتحمل المبادرة عنوان «Choose Europe for Science» أو "اختر أوروبا للعلم"، وهي خطوة تعبّر عن رؤية فرنسا في ترسيخ مكانتها كملاذ آمن للبحث العلمي الحر والمستقل في العالم.
تزايد إقبال الباحثين الأمريكيين
المبادرة تأتي في ظل ما يصفه مراقبون بـ"الاضطرابات المتزايدة" في الساحة العلمية الأمريكية، حيث يواجه الباحثون تهديدات مباشرة لتمويلهم، بالإضافة إلى عمليات فصل تعسفية وخسارة للمنح الدراسية منذ عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي. وفي هذا السياق، تشهد فرنسا بالفعل إقبالًا ملحوظًا من العلماء الأمريكيين الراغبين في الانتقال إليها، حيث تقدم مئات الباحثين بطلباتهم منذ الإعلان عن المبادرة.
والهدف الأساسي من البرنامج، بحسب التصريحات الفرنسية، هو ضمان استمرارية الأبحاث التي أصبحت تُعتبر حساسة أو مهددة في الولايات المتحدة، خاصة في مجالات مثل المناخ، الصحة العامة، والذكاء الاصطناعي، والتي تأثرت بتوجهات الإدارة الأمريكية.
100 مليون يورو لجذب العلماء: خطة فرنسية طموحة
في كلمته خلال مؤتمر "اختر أوروبا للعلم"، كشف ماكرون أن الحكومة الفرنسية ستخصص 100 مليون يورو لدعم استقطاب الباحثين الأميركيين إلى فرنسا، مع التركيز على أولئك الذين يواجهون صعوبات داخل الجامعات الأمريكية بسبب تقليص التمويل، أو الرقابة على المواضيع البحثية التي تُعد "حساسة" سياسيًا في السياق الأميركي الحالي.
وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن هذه المبادرة تعكس التزام فرنسا بـ"حرية البحث وكرامة العلماء"، مؤكداً أن أبواب الجامعات ومراكز البحوث الفرنسية ستظل مفتوحة لكل من يبحث عن بيئة أكاديمية حرة تكرّس قيم التقدم والعقلانية.
حرب ترامب على البحث العلمي
تأتي هذه الخطوة الفرنسية في سياق تصاعد المواجهة الأيديولوجية بين إيمانويل ماكرون ودونالد ترامب، حيث ينظر العديد من المراقبين إلى ما يحصل على أنه صراع بين نموذجين حضاريين: أوروبا التي تدافع عن التعددية الفكرية والمناخ والعلوم، في مقابل الولايات المتحدة التي تعاني من توجهات انعزالية ومحافظة في عهد ترامب.
وقد شهدت المؤسسات الأكاديمية الأميركية، منذ عودة ترامب إلى الواجهة السياسية، موجات واسعة من خفض الميزانيات وإلغاء منح البحث العلمي، خصوصًا في مجالات المناخ، والأبحاث البيولوجية، والذكاء الاصطناعي، مما دفع عددًا متزايدًا من العلماء للبحث عن بدائل خارج بلادهم.
وكان ماكرون قد أطلق في عام 2017 مبادرة مشابهة تحت عنوان «Make Our Planet Great Again»، كرد على انسحاب ترامب من اتفاق باريس للمناخ، وهو ما لقي حينها ترحيبًا واسعًا من الأوساط العلمية في أوروبا وأميركا على حد سواء.
رسالة استراتيجية: أوروبا بوابة البحث المستقل
وتحمل مبادرة ماكرون بُعدًا يتجاوز الجوانب العلمية، فهي أيضًا رسالة سياسية موجهة للعالم بأن أوروبا قادرة على احتضان النخبة العلمية العالمية وتوفير فضاء حر للبحث والتفكير. وتعكس هذه المبادرة أيضًا سعي باريس لتكريس مكانتها كعاصمة للابتكار والبحث العلمي، في وقت تتزايد فيه حدة الاستقطاب في المشهد الدولي.
aXA6IDMuMjEuMTI1LjI3IA== جزيرة ام اند امز