مغامرة ماكرون.. أسئلة على هامش "الوحشية" و"الرائحة الكريهة"
في مغامرة لا تزال نتائجها غامضة، لجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قانون يتيح له فرض قانون التقاعد المثير للجدل دون مروره على البرلمان.
ووسط صخب نواب المعارضة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن تفعيل المادة التي تجعل مشروع القانون بأكمله من "مسؤولية" حكومتها.
وقبل المشاركة في جلسة البرلمان اجتمع مجلس الوزراء ليقر خلال اجتماعه يوم الخميس السماح للحكومة باللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتمرير مشروع قانون من دون طرحه على التصويت، من خلال تولّي الحكومة مسؤوليته.
لكن ما هي ملامح الأزمة؟
وبدأت الأزمة حينما طرح الرئيس الفرنسي وحكومته رفع سن التقاعد القانوني من 62 عاما إلى 64 عاما.
وقبل هذه العاصفة كانت فرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد، لكن الحكومة الفرنسية الحالية ترى أن خطتها تأتي كاستجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان.
وأشار أحد المشاركين في مجلس الوزراء إلى أنّ ماكرون أكد أنّ المخاطر المالية والاقتصادية كانت "كبيرة جدّاً" في حال رُفض النص.
وكان النظام الفرنسي المعمول به يثير استغراب دول القارة العجوز، إذ اعتبره وزير الضمان الاجتماعي الإسباني خوسيه لويس إسكريفا "غير قابل للحياة".
ورأى الوزير الإسباني إنه "بسبب فشلها (فرنسا) في معالجة المشكلة في الوقت المناسب وكما فعلنا نحن، عليها الآن أن تتبنّى مقاربة.. تولّد مقاومة اجتماعية".
والمقاومة قد بدأت بالفعل، فمنذ 19 يناير/كانون الثاني، تظاهر آلاف الفرنسيين في ثماني مناسبات للتعبير عن رفضهم هذا الإصلاح.
ويعتبر معارضو هذا الإصلاح أنّه "غير عادل". كما تُظهر مختلف استطلاعات الرأي أنّ غالبية الفرنسيين تعارضه، رغم أنّ عدد المتظاهرين في الشوارع والمضربين عن العمل انخفض مع مرور الوقت.
هل هناك عواقب للمغامرة؟
وباختياره تفادي التصويت في الجمعية الوطنية، يضع الرئيس الفرنسي مستقبل حكومته على المحك، فثمة تبعات محتملة لهذا القرار الذي وصف بـ"الوحشي".
ووصل مشروع القانون إلى مرحلته النهائية الخميس، حيث كان من المفترض عرضه على تصويت النواب، ويشير التفاف ماكرون باعتماده على المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتمرير مشروع قانون من دون طرحه على التصويت، إلى فشله في تأمين الأكثرية.
وحتّى تلك اللحظة، كان ماكرون قد أعلن أنّه لا يريد اللجوء إلى هذه المادّة وأنّه يفضّل أن يصوّت النواب على مشروع القانون. غير أنّ ائتلافه لا يملك غالبية مطلقة في الجمعية الوطنية، الأمر الذي سيضطرّه إلى الاعتماد على أصوات نواب من حزب "الجمهوريين" اليميني التقليدي.
ويُعتبر اللجوء إلى المادة 49.3 نكسة في رأي العديد من المحلّلين السياسيين.
كما أنّ كلّ أطراف المعارضة انتقدت هذا القرار.
وقال زعيم الشيوعيين في البرلمان فابيان روسيل إنّ "البرلمان سيتعرّض للسخرية والإهانة إلى أقصى حدّ".
من جهتها، قالت مارين لوبن رئيسة كتلة نواب حزب اليمين المتطرّف "التجمّع الوطني" إنّ القرار "فشل ذريع لهذه الحكومة.. ولإيمانويل ماكرون".
ودعا الاتحاد النقابي الذي يكافح إصلاح نظام التقاعد إلى "تجمّعات" خلال نهاية الأسبوع، وإلى يوم تاسع من الإضرابات والمظاهرات الخميس المقبل.
ما هي خيارات المعارضة؟
تواجه الحكومة بقيادة إليزابيث بورن الآن مقترحات مختلفة لحجب الثقة ستطرحها أحزاب المعارضة المختلفة.
وفيما يتمتّع نواب الائتلاف الرئاسي بأغلبية نسبية، سيكون على نواب أقصى اليسار وأقصى اليمين أن يتوافقوا، كما سيحتاجون إلى تصويت حزب "الجمهوريين" أيضاً.
وفيما أعلن "التجمّع الوطني" أنّه سيصوّت "على جميع الاقتراحات (لحجب الثقة) بغض النظر عن الجهة التي تقدّمها"، حذّر زعيم "الجمهوريين" إيريك سيوتي من أنّ حزبه لن يصوّت على "أيّ منها"، الأمر الذي يبدو أنّه يزيل خطر حجب الثقة عن الحكومة.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد تغيير في هذا الموقف، إذ أوضح النائب عن حزب "الجمهوريين" أوريليان براديي على سبيل المثال أنّه "سيطرح" خلال نهاية الأسبوع "مسألة" التصويت على اقتراح تقدّمت به مجموعة برلمانية صغيرة من أحزاب الوسط.
كذلك، أعلنت مارين لوبن أنّها ستقدّم اقتراحاً لحجب الثقة نيابة عن حزبها، وهو ما أعلنه أيضاً جوليان بايو وهو نائب عن حزب الخضر الذي ينتمي إلى ائتلاف الأحزاب اليسارية، والذي أعلن أنّه سيقدّم اقتراحاً لحجب الثقة "عابراً للأحزاب".
وقال "قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لمقترح لسحب الثقة أن يطيح الحكومة بالفعل"، متّهماً الحكومة بأنّها "مستعدّة لإشعال النار و(إراقة) الدماء في البلاد". بدوره، قال خبير الرأي العام أنطوان بريستييل من مؤسسة "جان جوري" لوكالة فرانس برس إنّ "المادة 49.3 في خيال الفرنسيين مرادفة للوحشية، إنّه الشعور بأنّ الحكومة لا تصغي".
وأضاف "في الشارع، هذا سيُعطي زخماً جديداً للتعبئة".
هل تستمر الاحتجاجات؟
وأمام اختيار ماكرون قال الأمين العام لـ"الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل" لوران برجيه إنّه "من الواضح أنه ستكون هناك تحرّكات جديدة، لأنّ الاحتجاج قوي للغاية".
وأدت المواجهات التي جرت اليوم إلى توقيف السلطات الفرنسية 120 محتجا، حسب ما أعلنت الشرطة اليوم الخميس.
وقالت الشرطة إنّ قوات الأمن تدخّلت، خصوصاً بخراطيم المياه، لتفريق متظاهرين بالقرب من البرلمان في ساحة الكونكورد، حيث تجمّع آلاف المحتجّين بعد محاولة تدمير موقع أوبليسك في وسط الساحة.
وفي إشارة للموجة المقبلة من الاحتجاجات، قال الاتحاد النقابي في بيان إنه "ينظر بجدية إلى المسؤولية التي تتحمّلها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار، وهو إنكار حقيقي للديمقراطية"، شاجباً فرض القانون بـ"القوة".
وغطّت القمامة أرصفة العاصمة الفرنسية التي تعدّ إحدى أبرز الوجهات السياحية في العالم، في الوقت الذي عمّت فيه رائحة كريهة المكان.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA= جزيرة ام اند امز