فرنسا تفقد حليفا جديدا.. السنغال تتجه لغلق قواعد باريس العسكرية
فرنسا في طريقها لتلقي ضربة جديدة لنفوذها في أفريقيا، ولكن هذه المرة ستكون من السنغال.
فبعد طرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر يبدو أن داكار تفكر في الخطوة نفسها.
ومنذ توليه منصبه في أبريل/نيسان الماضي، يتخذ الرئيس السنغالي باسيرو ديومايي فاي نهجا معاكسا لباريس فيما يخص العلاقات مع بلاده.
فاي اعتبر في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس، الخميس، أنّ وجود القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده يتعارض مع السيادة الوطنية.
وقال إنّ "السنغال دولة مستقلّة. إنّها دولة ذات سيادة، والسيادة لا تتّفق مع وجود قواعد عسكرية (أجنبية) في دولتنا".
وبعد مرور 64 عاما على استقلال السنغال عن فرنسا، اعتبر فاي أنّه "يتعيّن على السلطات الفرنسية أن تفّكر في إقامة شراكة مجرّدة من هذا الوجود العسكري، ولكنّها شراكة غنيّة، شراكة مثمرة، شراكة مميّزة وشاملة كتلك التي تربطنا مع الكثير من الدول الأخرى".
وفي الوقت نفسه، أكد فاي الذي تولّى منصبه في أبريل/نيسان بعدما فاز في الانتخابات رافعا لواء السيادة وإنهاء الاعتماد على الخارج، أنّ رفض وجود عسكري فرنسي في بلاده لا يعني "قطيعة" بين دكار وباريس.
وقال إنّ "وجودا عسكريا أو عدم وجود عسكري لا ينبغي أن يعني قطيعة".
وأوضح أنّ بلاده تربطها "علاقات وطيدة مع دول عدة مثل الصين وتركيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكلّ هذه الدول ليست لديها أيّ قاعدة عسكرية في السنغال".
وأضاف: "الصين اليوم هي شريكنا التجاري الأول من حيث حجم الاستثمارات والتجارة. هل للصين وجود عسكري في السنغال؟ كلا. هل نتحدث عن قطيعة؟".
اعتراف بمجزرة
من جهة أخرى، أكّد الرئيس السنغالي أنّه تلقّى من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة تعترف فيها باريس بمسؤوليتها عن "مجزرة" ارتكبتها قواتها الاستعمارية في ثياروري قرب دكار في الأول من ديسمبر/كانون الأول 1944.
وقال "لقد تلقّيت اليوم (الخميس) من الرئيس إيمانويل ماكرون رسالة يعترف فيها بأنّها كانت مجزرة، بشكل واضح للغاية، دون أي لبس في المصطلحات".
ورحّب فاي بهذا الاعتراف، معتبرا إياه "خطوة كبيرة" من جانب ماكرون.
وبحسب الرئيس السنغالي فقد "اعتذر" ماكرون في رسالته لعدم تمكّنه، بسبب جدول مواعيده الحافل، من المشاركة في حفل سيقام في ثياروي الأحد المقبل لإحياء الذكرى الثمانين لضحايا تلك المجزرة.
وبحسب نصّ الرسالة التي اطّلعت عليها فرانس برس يقول ماكرون إنّه "يجب على فرنسا أن تعترف بأنّه في ذلك اليوم، أدّت مواجهة بين جنود ورماة كانوا يطالبون بأن تدفع لهم رواتبهم المشروعة بالكامل، إلى سلسلة من الأحداث التي أدت إلى مجزرة".
ولم يستبعد فاي إمكانية أن تقدم بلاده إلى فرنسا طلبا لتقديم تعويض لذوي الضحايا.
وحصلت السنغال على استقلالها في عام 1960، لكنها لا تزال واحدة من القواعد الفرنسية الرئيسية في أفريقيا كدولة حليفة، لكن إرث الماضي الاستعماري لا يزال يحوم في أجواء العلاقات بين البلدين.
وخلال الحملة الانتخابية التي أوصلته إلى الرئاسة، تعهد فاي بإعادة النظر في العلاقات مع المستعمر السابق للبلاد.
ومنذ وصول فاي إلى السلطة يرى محللون أن حكومته لديها مشروع طموح للتخلص من الهيمنة الفرنسية والتعامل مع فرنسا كندّ، دون شوائب التجربة الاستعمارية.
وغيرت انقلابات متلاحقة في بوركينا فاسو والنيجر ومالي خريطة النفوذ الفرنسي في غرب القارة الأفريقية، وسط مزاج شعبي مستنفر ضد باريس التي فشلت في إظهار دورها في مكافحة الإرهاب بالمنطقة.
وأجبرت فرنسا على سحب قواتها من الترويكا الجديدة التي أعادت بناء علاقتها من روسيا أملا في دعم موسكو في الحرب على التمدد الإرهابي في غرب أفريقيا.
ورغم العلاقات الوثيقة التي تربط فرنسا بداكار كان في قلب الخطاب الرائج خلال الحملات الانتخابية الحديث عن إعادة النظر في النفوذ الفرنسي وبقاء قواعد باريس العسكرية وشركاتها في السنغال.
ويطلق البعض على السنغال اسم "فرنسا الصغيرة"، إذ إنها من الدول التي ترك فيها المستعمر لمسات حضارية وثقافية، وحقق عن طريقها مكاسب سياسية متعددة، حيث كانت مركزا لتمديد نفوذ فرنسا وتوسيع خارطة مستعمراتها نحو العديد من مناطق غرب أفريقيا.
وتملك الشركات الفرنسية نسبة 17.5% من مجموع الواردات نحو السوق السنغالية، كما وصلت الصادرات الفرنسية إلى دكار عام 2020 حدود 900 مليون دولار، فيما لم تتجاوز الصادرات السنغالية نحو باريس 75 مليون دولار.
ومع الاحتجاجات السياسية والتوترات الأمنية التي شهدتها داكار سنة 2023 ورفعت فيها شعارات منددة بهيمنة فرنسا وتدخلاتها في الاقتصاد والسياسة، أعلنت باريس أنها ستقلص عدد قواتها في منتصف 2024 إلى 260.
aXA6IDMuMTQ5LjI3LjMzIA== جزيرة ام اند امز