محمد بن زايد في "زيارة دولة".. لماذا فرنسا؟
يبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الإثنين، "زيارة دولة" لفرنسا، كأول وجهة دولية رسمية له، منذ توليه رئاسة الدولة.
وتحمل الزيارة دلالات وأهمية من حيث التوقيت والسياق، فاختيار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لفرنسا لا يرتبط فقط بتعزيز العلاقات بين الدولتين بل يندرج كذلك في إطار تعزيز التعاون مع دولة مهمة ومحورية لمواجهة التحديات العالمية وتحقيق تنمية مستدامة للشعوب.
الزيارة تأتي في ظل متغيرات إقليمية وعالمية كشفت ثقل الوزن الاستراتيجي لدول الخليج، وأهمية تعميق التقارب الاستراتيجي الأوروبي الخليجي.
وحدد ٣ خبراء عرب بعدين أساسييْن لزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا؛ هما الاقتصادي والأمني، دون أن يغفلوا عنصرا ثالثا رئيسا؛ وهو العلاقات الثنائية المشتركة.
الأهداف الرئيسية للزيارة تتسق جميعها مع كون الإمارات وفرنسا شريكين استراتيجيين في الكثير من القضايا العالمية التي تحقق الازدهار والاستقرار للشعوب، والمسؤولية المشتركة بين الدولتين تحرص على الاستجابة المنسقة لمواجهة التحديات العالمية والعمل على حل الأزمات التي تسبب عدم استقرار عالمي.
ومن حيث التوقيت، تأتي الزيارة بعد يومين فقط من انعقاد قمة جدة الخليجية الأمريكية في السعودية، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى جانب مشاركة رؤساء كل من مصر والأردن والعراق، وما أفرزته القمة وبدا في بيانها الختامي من توجه خليجي عربي داعم للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والعمل باتجاه مواجهة التحديات العالمية لا سيما تلك التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وعلي غرار القمة الخليجية العربية الأمريكية، لا يمكن فصل الزيارة التي تستند إلى روابط عميقة تربط شعبي الإمارات وفرنسا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وفق المراقبين، عن توقيتها حيث جاءت في ظل تغييرات عالمية متسارعة فرضتها الأحداث.
لقاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو الثاني الذي يجمعهما في نحو شهر، حيث التقى الرئيسان عند تقديم ماكرون واجب العزاء في وفاة الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، قبل أن يعقدا جلسة مباحثات مغلقة.
مرحلة جديدة
يرى خبراء عرب، أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا ولقاءه بالرئيس الفرنسي، سيؤسسان لمرحلة جديدة من التقارب الاستراتيجي الأوروبي الخليجي في ظل متغيرات سواء ما يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا أو متغيرات عالمية تتعلق بإعادة صياغة الاستراتيجيات الأوروبية تجاه دول الخليج.
التقارب الأوروبي الخليجي ليس وليد اليوم، فمسار العلاقات المشتركة تنامى بين دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧ ودول مجلس التعاون الخليجي الست، سياسياً واقتصادياً وأمنياً في السنوات الأخيرة.
وتنظر دول الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج عموما، ودولة الإمارات بشكل خاص باعتبارها ممثلا وشريكا استراتيجيا لها في المنطقة، وهناك مسعى دائم لتعزيز التقارب الاستراتيجي بينهما.
يعزز ذلك التوجه العلاقات الإماراتية الفرنسية ذات الأبعاد الاستراتيجية التي تلامس الشراكة والتي تمثل نموذجا ناجحا للعلاقات بين الدول والتوازن بينها.
توقيت ودلالة
تعليقا على أهمية هذه الزيارة وتوقيتها، يقول المحلل السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله لـ"العين الإخبارية"، إن "الزيارة الأولى خارجيا للشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد توليه رسميا رئاسة الإمارات لفرنسا جاءت في توقيت في غاية الأهمية بسبب الحرب الأوكرانية والطلب العالمي وخاصة الأوروبي على النفط والغاز، خصوصا الخليجي".
ويضيف عبدالخالق: "أكثر من هذا وذاك هناك رغبة فرنسية للقيام بأدوار جديدة في ملف الأمن الخليجي، وهذا الدور الفرنسي المتوقع سيمر حتما عبر الإمارات بحكم أنها أهم شريك لفرنسا وبحكم أن فرنسا اليوم أهم شريك بل حليف أوروبي غربي للإمارات".
أما دلالة الزيارة، فيعتبر المحلل السياسي الإماراتي كون باريس أول زيارة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خارج الإمارات "له دلالة من ناحية التقدير لدور فرنسا والرغبة في تعميق العلاقة الاستراتيجية بين باريس وأبوظبي".
ثمار الزيارة
وحول الثمار المتوقعة للزيارة وتعميقها للعلاقات الأوروبية الخليجية، يقول عبدالخالق: "ربما نعم؛ هناك رغبة ليست لدى فرنسا منفردة، وإنما رغبة لدى الاتحاد الأوروبي عموما، لزيادة حضوره في المنطقة في ضوء مستقبل يشير إلى زيادة اعتماده على النفط والغاز الخليجييْن".
وتابع: "فرنسا بهذا المعنى تتحدث باسم المجموعة الأوروبية ودولة الإمارات تتحدث نيابة عن المجموعة الخليجية".
وموضحا الأسباب التي أدت لهذه الرغبة، يقول عبدالخالق: "أوروبا تعيش لحظات صعبة في مواجهتها مع روسيا، وفي ظل أزمات اقتصادية لها علاقة بالتضخم وتدهور سعر اليورو، وعليه فإن أوروبا اليوم بحاجة إلى مجلس التعاون بقدر حاجة دول مجلس التعاون لدول الاتحاد الأوروبي".
ويضيف : "أتوقع أن تتضمن الزيارة تبادل الحديث حول ملفات أوروبية وإقليمية وعالمية"، لكن بند الزيارة الرئيسي "سيكون العلاقة الثنائية المتميزة بين فرنسا ودولة الإمارات بعيدا عن أي اعتبار إقليمي وعالمي نعيشه حاليا".
العلاقة الأعمق
يصف المحلل السياسي الإماراتي، العلاقات بين دولة الإمارات وفرنسا، بأنها "عميقة.. ربما هي الأعمق".
ويضيف: "الشريك الفرنسي أكد في كل مناسبة وتكرارا أنه شريك يعتد به وكانت فرنسا أول دولة تقوم بإظهار دعمها الكامل لدولة الإمارات والوقوف معها عندما تعرضت لهجوم الحوثي الغادر".
ووفق قراءة عبدالخالق، فإن "البند الأول في هذه الزيارة سيكون تقوية العلاقات بين البلدين وتعزير العلاقات الدفاعية والأمنية والاستراتيجية".
ولفت إلى أن "البند الأهم في أي عمل خارجي تقوم به دولة الإمارات هو بند الاقتصاد من حيث تعزيز التعاون الاقتصادي وتعزيز التجارة بين الشركاء".
ومضى قائلا: "هذا البند -الاقتصاد- أيضا سيكون حاضرا خلال الزيارة ولا يخفي على أحد أن دولة الإمارات تود أن تكون في طليعة المنطقة بل في طليعة دول العالم في الاهتمام بالمناخ والطاقة البديلة والمتجددة وهناك مجال واسع للتعاون التقني والمناخي والبيئي بين الدولتين".
أول الحلفاء
بدوره، يرى الكاتب والمحلل البحريني عبدالله الجنيد في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، إلى فرنسا تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية البلدين، حيث إن فرنسا تعد أكبر الشركاء الاستراتيجيين الأوروبيين".
ويوضح: "يرتبط البلدان بعلاقات اقتصادية ودفاعية خصوصا في مجال توطين المعرفة، وفرنسا حليف سياسي خاص لدولة الإمارات في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية".
ويؤكد الجنيد ما ذهب إليه عبدالخالق: "فرنسا أول الحلفاء الدوليين الذين سارعوا بتقديم دعم لوجستي ودفاعي لدولة الإمارات بعد الاعتداءات التي تعرضت لها من قبل الحوثي".
المحلل السياسي البحريني يرى أيضا أن "التقارب الاستراتيجي الخليجي الأوروبي هو المسار المستقبلي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان هو بالتأكيد أفضل من يمثل موقف المنطقة من كل الملفات بما فيها الملفات الكبرى مثل الملف النووي الإيراني".
جسور التواصل
مد الجسور بين مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي، إحدى ثمار الزيارة المرتقبة، وفق ما ذكره المحلل السياسي السعودي مبارك العاتي لـ"العين الإخبارية".
ويقول العاتي: "زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا مهمة جدا؛ من شأنها أن تعيد مد جسور التواصل بين الكتلة الخليجية والأصدقاء في فرنسا، وتعيد ترتيب العلاقات الخليجية الفرنسية طبقا للمصالح المشتركة".
ويصف المحلل السياسي السعودي، مجلس التعاون الخليجي بأنه "يمثل نادي الاستقرار في المنطقة الملتهبة، كما يتمتع باقتصاديات قوية ومؤثرة، ويتمتع باستقرار سياسي".
ومتفقا مع سابقيه، يرى العاتي أن "زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا ولقاءه مع الرئيس الفرنسي تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الإماراتية الفرنسية ومرحلة جديدة من العلاقات الخليجية الفرنسية، إلى جانب التأكيد على الروابط المشتركة الاقتصادية والثقافية بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي وتعيد بحث سبل النهوض بالتعاون الاقتصادي سواء في مجال الطاقة أو غيرها".
وأجمع الخبراء الثلاثة على أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لفرنسا مهمة لصالح الطرفين، خاصة لما تمثله فرنسا من دور محوري في القارة الأوروبية يجعل من ترتيب العلاقات معها والنهوض بها إلى مستويات أوسع، يصب في صالح الأطراف الأوروبية والخليجية على حد سواء.
سعادة ماكرون
أعرب قصر الإليزيه عبر مستشاري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق، عن سعادة الأخير بالزيارة التي يقوم بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، لاسيما أنها أول "زيارة دولة" يقوم بها منذ توليه الرئاسة في 14 مايو/ أيار الماضي.
ويبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الإثنين، زيارة دولة إلى الجمهورية الفرنسية.
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الزيارة مع الرئيس الفرنسي، علاقات الصداقة وآفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف الجوانب، خاصة في مجالات طاقة المستقبل وتغير المناخ والتكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى تعزيز التعاون في قطاعات التعليم والثقافة والفضاء، في ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع البلدين.
ويناقش الجانبان مجمل القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
aXA6IDE4LjExNy4xOTIuNjQg
جزيرة ام اند امز