فرنسا على صفيح ساخن.. بايرو يسابق الشارع لتجنيب ماكرون «الخيار المر»

تترقب فرنسا إضرابات وتظاهرات خلال الشهر الجاري تُعيد إلى الأذهان حراك "السترات الصفراء"، وتُنذر بـ"أيلول أسود" في عاصمة النور.
وفي وقت حددت النقابات بالفعل 10 سبتمبر موعدًا لشلل عام في البلاد، أعلنت المنظمات النقابية أيضًا عن تنظيم تظاهرات جديدة بعد ثمانية أيام فقط.
وتحتج النقابات على خطة التقشف الحكومي وخفض الإنفاق التي تجابهها أيضا المعارضة البرلمانية، ما يضع الحكومة الفرنسية في مأزق.
وفي شالون أون شامبان (مارن)، وقف ممثلو النقابات يوم الجمعة في مواجهة قوات الأمن، ربما كإشارة استباقية لما هو قادم، إذ تتكاثر الدعوات إلى التحركات الشعبية، بدءًا من الاعتصامات على الحواجز، وصولاً إلى مقاطعة المتاجر الكبرى.
كما أُعلن عن سلسلة من الإضرابات اعتبارًا من الأسبوع المقبل في مستشفيات باريس، وقطاعات الكيمياء، السكك الحديدية، المطارات، والصيدليات.
واليوم، أعلنت النقابات الموحدة موعدًا ثانيًا للتعبئة في 18 سبتمبر/أيلول الجاري. وقالت صوفي بينيه، الأمينة العامة لـ الـCGT: "اختيار الخميس سيكون أكثر ملاءمة للمشاركة الشعبية، كما سيتيح إعطاء بُعد مستقبلي للحراك، بهدف إفشال هذا مشروع موازنة (رئيس الوزراء فرانسوا) بايرو".
روح "السترات الصفراء"
وانتقد بايرو بشدة هذه التعبئة النقابية خلال زيارته صباح الجمعة إلى "شالون أون شامبان"، قائلاً: "ليس بالخروج إلى الشوارع للمطالبة بعدم التغيير سنتمكن من حل مشكلات البلاد"، بحسب محطة "فرانس.إنفو" التلفزيونية الفرنسية.
مع ذلك، فإن كثيرين من الناشطين يرون الأمر بشكل مختلف، على غرار كريستوف رواييه، وهو مسعف وناشط سابق في حركة "السترات الصفراء"، أعلن دعمه الكامل لتحركات 10 سبتمبر، قائلاً: "آمل أن يشارك أكبر عدد ممكن من الناس من خارج النقابات لإظهار الغضب".
من جانبه، يحاول بايرو تهدئة الأجواء، إذ يراهن على لقاء الأحزاب السياسية الأسبوع المقبل لإقناعها ودفعها إلى خفض حدة التوتر، في محاولة لتجنب أن يتحول شهر سبتمبر إلى "أيلول أسود" يشلل البلاد، وفقا لمراقبين.
لكن، وبحسب محللين سياسيين، فإن نجاحه في هذه المهمة سيعتمد على قدرته على تقديم ضمانات اقتصادية واجتماعية ملموسة، وليس فقط وعودًا بالتهدئة.
مع ذلك، تبدو حكومته محاصرة بين نارين: النقابات الغاضبة من خطط التقشف وخفض النفقات، والمعارضة البرلمانية التي ترفض منحه الثقة، الأمر الذي يفتح الباب أمام سيناريو سقوط الحكومة الشهر المقبل.
ويرى مراقبون أن أجواء سبتمبر قد تعيد إلى الأذهان شتاء 2018–2019، حينما اجتاحت حركة "السترات الصفراء" فرنسا وأدت إلى مواجهات حادة مع الشرطة.
ضغط شعبي
في هذا السياق، قال جيروم فوركيه مدير قسم "الرأي العام والاستراتيجية المؤسسية" في معهد "أيفوب" لـ"العين الإخبارية" إن استطلاعات الرأي تكشف حجم الغضب الشعبي تجاه السياسات الحكومية، حيث يميل 63 ٪ من المواطنين إلى دعم الإضرابات و"حركة فلنشل كل شيء" ما يعكس مستوى كبير من الاستياء الشعبي.
ورغم هذا الضغط، يلفت فوركيه إلى أن نصف الفرنسيين يتوقعون أن ماكرون لن يستخدم صلاحية حل البرلمان.
فجوة بين الرغبة والخوف
واعتبر الباحث الفرنسي أن هذا الانقسام يظهر أن العامة يريدون التغيير لكن لا يثقون بالانتخابات المبكرة كحل نهائي وقد يفضلون توافقات سياسية داخلية لاستعادة الاستقرار.
المشهد لا يتوقف عند حدود الإضرابات، إذ أن حكومة بايرو تواجه تصويتًا على الثقة في البرلمان يوم 8 سبتمبر. وفي حال سقوطها، قد يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: إما تشكيل حكومة جديدة داخل نفس التوازنات الهشة، أو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة قد تفتح الطريق أمام تقدم أقصى اليمين، وفقاً لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.
بين الشارع والسياسة
من جانبه، يحاول بايرو تهدئة الأجواء، إذ يراهن على لقاء الأحزاب السياسية الأسبوع المقبل، ما يُظهر أن فرنسا مقبلة على اختبار صعب، فلو تحولت تحركات 10 و18 سبتمبر إلى موجة احتجاجات واسعة، فقد يدخل المشهد الفرنسي مرحلة جديدة ربما تفرض على ماكرون إعادة النظر في استراتيجيته بالكامل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز