ترامب وضع منذ البداية ألمانيا إلى جانب كل من الصين والمكسيك باعتبارها البلدان التي سيسعى إلى تعديل الميزان التجاري الأمريكي معها. ذلك أن البلدان الثلاثة هي الأكثر تحقيقا للفوائض التجارية مع أمريكا
أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن عزمها الوصول إلى نتائج إيجابية لقمة العشرين، وعدم تكرار الموقف الذي حدث أثناء قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في مايو الماضي حيث كانت ستة أطراف في جانب والولايات المتحدة في جانب وحدها. فقد أكدت على أنها ستفعل ما بوسعها للتوصل إلى حلول وسط، لكنها في الوقت ذاته شددت على أنه لن يحدث تستر على الخلافات بل سيتم تسميتها لأن هناك خلافات بالفعل حول بعض القضايا المهمة.
ويأتي على رأس تلك القضايا الخلافية قضية حرية التجارة العالمية التي يهددها الموقف الحمائي الذي يتخذه الرئيس الأمريكي لأنه يعده الإجراء الأسرع لتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين الأمريكيين كما وعد إبان حملته الانتخابية، وفي ظل الشعار العام للحملة "أمريكا أولا".
وقد وضع ترامب منذ البداية ألمانيا إلى جانب كل من الصين والمكسيك باعتبارها البلدان التي سيسعى إلى تعديل الميزان التجاري الأمريكي معها. ذلك أن البلدان الثلاثة هي الأكثر تحقيقا للفوائض التجارية مع أمريكا، حيث حققت الصين فائضا تجاريا بلغ 327 مليار دولار في عام 2016، مقابل فائض مكسيكي بلغ 104 مليارات دولار، وفائض ألماني قدره 66 مليار دولار في نفس العام.
وربما الملفت للانتباه في حالة ألمانيا تحديدا هو وضعها ضمن قائمة الدول المتهمة في التلاعب بعملتها مثلها مثل الصين. والتلاعب بالعملة يعني إقدام البلد على خفض سعر صرف عملته بشكل إرادي لكي يزيد من قدراته التنافسية. إذ يعمل خفض سعر الصرف على خفض أسعار الصادرات وزيادة أسعار الواردات بما يمكن هذا البلد من زيادة مستوى صادراته وخفض مستوى وارداته من دول العالم. وذهب بعض أركان إدارة ترامب إلى أن التعويم الحر للعملات يقلص من الاختلالات التجارية، وبناء على ذلك، فإن الاختلالات التجارية (أي الفوائض التي يحققها البعض والعجز الذي يحققه البعض الآخر) تعد مظهرا من مظاهر "التلاعب بالعملة". وتعد عضوية ألمانيا في منطقة اليورو من وجهة نظرهم خيارا للسياسة الاقتصادية الألمانية للحفاظ على سعر صرف العملة أقل من قيمتها الحقيقية، وهو ما يعد تصرفا من تصرفات التلاعب بالعملة.!!
وضع ترامب منذ البداية ألمانيا إلى جانب كل من الصين والمكسيك باعتبارها البلدان التي سيسعى إلى تعديل الميزان التجاري الأمريكي معها. ذلك أن البلدان الثلاثة هي الأكثر تحقيقا للفوائض التجارية مع أمريكا
ويشير أحد الاقتصاديين الأمريكيين إلى أنه "لو صنفت الولايات المتحدة عضوية ألمانيا في منطقة اليورو باعتبارها تشكل تلاعبا بالعملة، فهل ستدعو الإدارة إلى انسحاب ألمانيا من المنطقة؟ والمشكلة أنه حتى لو تم مثل هذا الانسحاب فسوف يؤدي إلى اضطراب أوروبا اقتصاديا وسياسيا، وسيضر ضررا بليغا بالاقتصاد العالمي. وأية مكاسب يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة من عملة ألمانية منفردة أقوى سيقضي عليها الانخفاض في القوة الشرائية الأوروبية. أم أن واشنطن ستفرض رسوما جمركية على ألمانيا وحدها؟ وحتى إذا ما فعلت هذا، فسيعمل هذا في الأغلب على توحيد أوروبا لصفوفها وتقوم بالانتقام. وسوف تكون النتيجة هي حرب تجارية كبرى."
وقد دافع مسؤولون اقتصاديون ألمان عن تحقيق بلادهم لفوائض تجارية ضخمة، وقاموا بالرد على انتقاد الإدارة الأمريكية للسياسة التجارية الألمانية. وقد أتى ذلك في أعقاب اجتماع المسؤولين الماليين في مجموعة العشرين في ألمانيا يوم 19 مارس 2017، حيث ظهرت خلافات حول التجارة بين الولايات المتحدة وبقية مجموعة العشرين. وحيث فشل البيان الختامي للاجتماع في النص على ضرورة الحفاظ على التجارة العالمية حرة ومفتوحة كما كانت ترغب ألمانيا، وذلك نتيجة للضغوط التي مارسها وزير الخزانة الأمريكي. وقد أشار مسؤولو البنك المركزي الألماني إلى أن الفائض في ميزان الحساب الجاري الألماني معرض للانخفاض بحدة هذا العام. وأشار اقتصاديون ألمان إلى أن الفائض هو نتيجة لجهود القطاع الخاص الألماني، وأنه من الصعب التدخل لتعديل هذا الأمر بقرار سياسي.
وفي النهاية ما يزال التساؤل حول ما هية الحلول الممكنة أمام قمة العشرين إزاء الخلافات حول التجارة الحرة معلقا. وربما تكون إحدى الإجابات الممكنة هي إشارة بيان قمة العشرين إلى التمسك والحفاظ على "التجارة الحرة والعادلة" لتتضمن النص على حرية التجارة كما ترغب أغلب دول العشرين التي تحقق فائضا مع الولايات المتحدة، بينما يأتي النص على عدالة هذه التجارة كتنازل لترامب الذي يصر على ترافق جانبي الحرية والعدالة. ولكن مثل هذه الإجابة ستكون مجرد إجابة شكلية، أما من حيث الجوهر فستظل المباحثات الثنائية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين هي الفيصل. وربما تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط بحيث يتبنى الشركاء ما يطلق عليه "التخفيض الطوعي للصادرات" للولايات المتحدة للوصول إلى توازن أكبر في المعاملات التجارية. فهذا الإجراء سبق ونفذته الولايات المتحدة في تجارتها مع اليابان في الثمانينيات إبان رئاسة رونالد ريجان، مقابل عدم فرض عقوبات تجارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة