الاقتصاد الفرنسي في عهدة اليسار.. سيناريوهات وتحديات «تحليل»
جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا بمفاجآت لم تزد الأفق السياسي إلا غموضا، كما أنها تلقى بمزيد من الضغوط على الاقتصاد.
فالآن من المقرر أن يصبح تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري أكبر مجموعة في البرلمان الجديد، بعد أن تفوق على التجمع الوطني (أقصى اليمين) الذي بات يحتل المركز الثالث، لكن "الجبهة الشعبية الجديدة" لا يزال غير قادر على تحقيق الأغلبية العامة.
أما تحالف ماكرون الوسطي فقد صمد بشكل أفضل من المتوقع، ومن المرتقب أن يأتي في المركز الثاني. لكن التطورات السياسية بامتياز لها وجه آخر، لا يقل أهمية وهو المتعلق بالشق الاقتصادي.
- أجندات «تصالحية» من أقصى اليمين.. هذا ما يفرضه الاقتصاد على فرنسا
- اقتصاد فرنسا يترقب نتائج الانتخابات.. وعود الإصلاح تصطدم بالأزمات المالية "تحليل"
ووفقا لتقرير نشرته الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"، فإن انتخابات ماكرون المفاجئة كانت بمثابة صدمة لمعظم الناس، بمن في ذلك المستثمرون. ونقل التقرير عن فيليب كريفيل، الاقتصادي ورئيس مركز الأبحاث الباريسي Cercle de L'Epargne قوله إن "مؤشر سوق الأسهم الفرنسي CAC 40 انخفض بنحو 8% في غضون أسبوع.. وارتفعت أسعار الفائدة على الديون العامة الفرنسية.. وصباح اليوم التالي للانتخابات، افتتح مؤشر CAC منخفضًا بنسبة 0.4% لكنه سرعان ما عوض خسائره".
قلق المستثمرين
وعلى الرغم من غموض مرتقب بالأفق السياسي، بدأت الجبهة الشعبية الجديدة (المنشأة حديثًا) بالفعل في تفصيل خططها بعد الانتخابات. ويشمل تحالفها حركة فرنسا الأبية اليسارية "أقصى اليسار"، والحزب الاشتراكي، والخضر، والحزب الشيوعي.
ووعد التحالف الجديد بإجراءات سخية لتعزيز القوة الشرائية للناخبين. وهم يخططون بالفعل لسحب إصلاح المعاشات التقاعدية المثير للجدل لعام 2023 الذي رفع سن التقاعد الأدنى من 62 إلى 64 عامًا. وتعتزم الجبهة الشعبية الجديدة تقليل هذا الحد إلى 60 عامًا.
وقال كريفيل: "إنه أمر سريالي - فرنسا تواجه وضعًا ماليًا صعبًا، ومع ذلك، تحاول جميع الأحزاب، بما في ذلك حزب ماكرون، جذب الناخبين من خلال وعود بإغداق الأموال عليهم". وأضاف: "السياسيون يفعلون ذلك خلال الأربعين عامًا الماضية، لكننا الآن قريبون من الهاوية."
وبلغ الدين العام لفرنسا في عام 2023 نحو 110% من الناتج المحلي الإجمالي مع عجز الميزانية يصل إلى 5.5%. وهدد الاتحاد الأوروبي مؤخرًا بإجراءات عقابية ضد فرنسا بسبب العجز، حيث يسمح ميثاق الاستقرار والنمو التابع للاتحاد الأوروبي بدين عام لا يتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي وعجز ميزانية بنسبة 3%.
هل يفضل السوق التجمع الوطني؟
لكن على الرغم من خطط السخاء للجبهة الشعبية الجديدة، يبدو أن المستثمرين يفضلون المنصة الاقتصادية للحزب اليميني "أقصى اليمين"، حزب التجمع الوطني، كما قال كريفيل.
وقال إن "الجبهة الشعبية الجديدة معادية للرأسمالية ومعادية لأوروبا، حيث يريدون مغادرة ميثاق الاستقرار والنمو واتفاقيات التجارة الحرة الدولية، في حين أن التجمع الوطني لم يعد يعرض علانية وجهات نظر معادية للاتحاد الأوروبي - على الرغم من أن منصتهم غير متوافقة مع القواعد الأوروبية".
ويوافق كريستوفر ديمبيك، كبير مستشاري الاستثمار في بيكتيت لإدارة الأصول في فرنسا، أن منصة التجمع الوطني الانتخابية كانت أقل قلقًا للمستثمرين من خطط الجبهة الشعبية الجديدة.
وقال: "العالم المالي أكثر قلقًا من معارضة الجبهة الشعبية الجديدة المعلنة لقواعد الاتحاد الأوروبي من خطط التجمع الوطني لتقليل ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء والغاز والوقود من 20% حاليًا إلى 5.5%، والتي كانت ستتطلب مجرد تفاوض مع الاتحاد الأوروبي".
وتابع "بالإضافة إلى ذلك، تعهد اليمين بتدقيق المالية العامة، مما يشير إلى نيتهم في خفض دين فرنسا".
وقال مايكل زيمور، الباحث الاقتصادي في جامعة لوميير ليون-2: "هناك هذا الانطباع الزائف بأن الجبهة الشعبية الجديدة ستدمر الاقتصاد الفرنسي ببرنامجهم الذي يركز على الإنفاق، في حين أن التجمع الوطني يقيم حملته الانتخابية على خفض الضرائب الممولة من خلال إجراءات كراهية الأجانب مثل سحب الرعاية الصحية من الأجانب".
عدم يقين
وبعد نتائج مساء الأحد، قد تحاول الجبهة الشعبية الجديدة تشكيل حكومة أقلية أو تكون جزءًا من ائتلاف، مما قد يمنع التحالف اليساري من تنفيذ أكثر إجراءاته جذرية.
وقال موجتابا رحمن، المدير العام لأوروبا في شركة استشارات المخاطر السياسية Eurasia Group في نيويورك، إن النتيجة المفاجئة ستسبب عدم استقرار سياسي ومالي.
وأضاف: "فرنسا تنظر إلى طريق مسدود برلماني مع كتلتين أيديولوجيتين كبيرتين والمركز محشور في الوسط مع رئيس يفتقد الأغلبية، وحكومة تصريف أعمال بدون قدرة على التنفيذ وخطر كبير من الاضطرابات المدنية".
وتتوقع التقارير ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في حالة وجود حكومة يسارية أو يمينية متشددة، لتصل إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg جزيرة ام اند امز