خبير فرنسي: المخطط المتعدد السنوات للميزانية خطوة إيجابية من «لوكورنو»

بين وعود الإصلاح وضغوط الأرقام، يجد رئيس الوزراء الفرنسي الجديد سيباستيان لوكورنو نفسه أمام أول اختبار مالي عسير، وهو؛ التخلي عن «الطريقة الغامضة» التي اعتمدها سلفاه ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو في عرض الميزانية.
فبعد أشهر من الحديث عن "جهد مالي" يناهز 44 مليار يورو (51.7 مليار دولار)، يقرر لوكورنو العودة إلى الطريقة التقليدية في الحساب، ما يعني أن الرقم الحقيقي سيكون أقل بكثير، وربما لا يتجاوز 25 مليار يورو (29.4 مليار دولار).
وداعًا لـ"44 مليار يورو"
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن "الـ44 مليار يورو" التي تصدرت النقاش العام صيف 2025 لم تعد سوى أثرًا من الماضي. فإلى جانب تراجعه عن إلغاء يومين عطلة رسمية، يعتزم لوكورنو التخلي عن أسلوب العرض المثير للجدل الذي ابتكره بارنييه وواصل بايرو اعتماده.
فبدلاً من مقارنة ميزانية 2026 بميزانية 2025 كما جرت العادة، كان الرجلان يقيسان "الجهد المالي" بالاستناد إلى سيناريو افتراضي (يسمى سيناريو اتجاهي) يفترض استمرار الإنفاق في الارتفاع بلا تدخل حكومي. بهذه الصياغة تضخمت الأرقام إلى مستويات غير مسبوقة، وقدّمها بايرو كـ"طريق الخلاص من لعنة الدَّين العام".
وقالت الصحيفة الفرنسية إنه " سيتعين على سيباستيان لوكورنو ليس فقط تقديم بعض التنازلات، كما فعل بالفعل بالتراجع عن إلغاء يومين عطلة رسمية، بل أيضًا لأن رئيس الوزراء الجديد يستعد للتخلي عن الطريقة "المضللة نوعًا ما" التي اختارها ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو في تقديم الميزانية.
وأضافت "لوموند" أنه منذ عام، كانت رئاسة الوزراء ووزارة المالية يحسبان الجهد المالي المطلوب استنادًا إلى "سيناريو اتجاهي" غامض، ما أدى إلى تضخيم عدد المليارات المطلوب إيجادها. ثم اتبعت الأحزاب السياسية هذا النظام. ويرغب الرجل القوي الجديد في ماتينيون بالعودة إلى طريقة العرض المعتادة للميزانية، وفقًا لمصادر متطابقة.
- ترامب يفرض 100 ألف دولار سنويا على تأشيرة موظفي التكنولوجيا الأجانب.. من المتضرر؟
- خبير فرنسي: خفض الفائدة الأمريكية قد يُحدث موجات ارتدادية بأسواق الدين
تلاعب بالأرقام أم شفافية مفقودة؟
منذ البداية، أثار هذا الأسلوب اعتراض خبراء الاقتصاد والمالية العامة، إضافة إلى المجلس الأعلى للمالية العامة ومحافظ بنك فرنسا. حجتهم: لا بأس من المقارنة مع سيناريوهات افتراضية، لكن يجب أن تكون مفصّلة ومعلنة بوضوح. وهو ما لم يفعله لا بارنييه ولا بايرو.
وبحسب وثائق مسربة من وزارة المالية (بيرسي) إلى صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، كان الهدف مزدوجًا: تضخيم حجم التحدي لإظهار صرامة الحكومة، وإخفاء حقيقة أن الجزء الأكبر من "التضحيات" سيأتي من زيادة الضرائب لا من خفض الإنفاق.
نحو ميزانية "مفهومة للجميع"
لوكورنو، الذي وعد بـ"قطيعة في الشكل والمضمون" منذ تسلمه منصبه في 10 سبتمبر/أيلول، يريد إعادة النقاش إلى أرضية واضحة: العجز والدين العام بالأرقام الفعلية، مقارنة بالعام السابق.
كما يفكر في اعتماد خطة مالية متعددة السنوات لضبط العجز وفق المعايير الأوروبية، لكن تحقيق ذلك يتطلب أغلبية برلمانية ودعمًا دستوريًا قد لا يتوفر له سريعًا.
وقال إريك هايير، مدير قسم التحليل في المرصد الفرنسي للظرف الاقتصادي – OFCE في باريس لـ"العين الإخبارية"، إن خطوة لوكورنو "إيجابية من حيث المبدأ لأنها تعيد المصداقية للنقاش العام، وتمنع استخدام الأرقام بشكل سياسي لتضخيم الإنجازات".
حذر الخبير من أن "تغيير طريقة الحساب لا يلغي حقيقة أن فرنسا تحتاج إلى ضبط عاجل لميزانيتها، خاصة مع ارتفاع الدين العام فوق 110% من الناتج المحلي الإجمالي".
وأضاف: "سواء كان الجهد المطلوب 25 مليارًا أو 44 مليارًا، يبقى السؤال: هل تملك الحكومة القدرة السياسية لتمرير الإصلاحات الضريبية وتقليص الإنفاق دون تفجير الشارع الفرنسي؟".
وقال الخبير الاقتصادي الفرنسي إن "خطة ميشال بارنييه التي تحدثت عن 60 مليار يورو تضمنت وعدًا بتخفيض ثلثي النفقات العامة، لكن بعد إعادة الحساب وفق الطريقة المعتادة من قبل المجلس الأعلى للمالية العامة، تبين أن الجهد المستهدف لا يتجاوز 42 مليار يورو، منها 70% ناجمة عن زيادة الضرائب الإلزامية".
وتابع: "هذا مثال واضح على كيف يمكن لواقع واحد أن يعرض بطريقتين متعاكستين سياسيًا".
وأوضح الخبير أن "هذه الأرقام غير القابلة للتحقق، الصعبة الاستيعاب، والمضللة قليلًا، هي ما يسعى سيباستيان لوكورنو إلى القطيعة معه"، مشددًا على أن رئيس الوزراء الجديد "يعتزم منذ الآن الحديث بوضوح عن زيادات الضرائب وتخفيض النفقات مقارنة بالعام السابق، كما كان الأمر قبل مرحلة ميشال بارنييه في ماتينيون".
وتابع الخبير : "نظرًا إلى حجم التعديل الضروري لإعادة العجز العام إلى المستوى الذي تفرضه القواعد الأوروبية، يرغب لوكورنو أيضًا في الانتقال إلى ما يسمى بالمخطط متعدد السنوات للميزانية".
وأضاف:"رغم أن مجلس الدولة قد سلّمه تقريرًا يوصي بإصلاح دستوري في هذا الاتجاه، إلا أنه ليس من المؤكد أن يتمكن من حشد أغلبية كافية أو التمتع بالوقت الكافي لتنفيذ مثل هذا المشروع".