الشركات الفرنسية في مواجهة شبح الشلل الاقتصادي.. هل تصبح أولى الضحايا؟

بينما تتخبط الحكومة الفرنسية الجديدة في متاهة المفاوضات مع المعارضة حول ميزانية الدولة، تتصاعد مخاوف كبرى الشركات من أن تتحول إلى الضحية الأولى للحسابات السياسية والمالية.
فبعد أن ساهمت في سد عجز الميزانية من خلال "مساهمة استثنائية" العام الماضي، تجد هذه الشركات نفسها اليوم في قلب عاصفة تهدد بمزيد من الضرائب، إلغاء الامتيازات، وتقليص الحوافز التي اعتادت الاعتماد عليها. فهل نحن أمام مواجهة حتمية بين عالم الأعمال والدولة؟.
تهديدات بانتفاضة أرباب العمل
وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إنه "في خضم الإضرابات المتصاعدة بقطاع النقل والمفاوضات العسيرة في قصر رئاسة الوزراء "ماتينيون"، لم يتردد قادة الأعمال في رفع الصوت، موضحة أن رئيس منظمة أرباب العمل (Medef) باتريك مارتن حذر صراحة: "إذا ارتفعت الضرائب، فستكون هناك تعبئة كبرى لأرباب العمل".
أما فيليب دورنانو، رئيس مجموعة "سيسلي" ورئيس اتحاد شركات الصناعات المتوسطة (Meti)، فقد عبّر عن قلقه من تآكل المكاسب التنافسية التي حققتها فرنسا في عهد هولاند وماكرون، مؤكداً أن ارتفاع تكاليف الإنتاج والضرائب يعيد البلاد خطوات إلى الوراء مقارنة بجيرانها الأوروبيين، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
حكومة جديدة وضباب مالي كثيف
وأشارت "لوفيجارو" إلى انه "منذ سقوط حكومة بايرو، التي كانت تطمئن رجال الأعمال إلى أن "المساهمة الاستثنائية" (8 مليارات يورو في 2025) لن تتكرر، تغير المشهد جذرياً".
وأوضحت أن وصول سيربستيان لوكورنو إلى رئاسة الحكومة زاد المخاوف، خاصة أن المعارضة الاشتراكية، التي تمثل الأمل الأكبر لتجنّب حجب الثقة، تشترط "تنازلات رمزية" تثقل كاهل الشركات.
في هذا السياق، يلوح في الأفق خطر "شلل اقتصادي" قد يتفاقم مع اقتراب التصويت على ميزانية غير محسومة المصير.
وكانت وزارة المالية الفرنسية (بيرسي) قد أعدت قائمة إجراءات جاهزة أهمها؛ إلغاء أو تقليص الامتيازات الضريبية الممنوحة للشركات، ورفع الحد الأدنى لضريبة القيمة المضافة للمستقلين إلى 37500 يورو (44186.9 دولار)، مع استثناء لقطاع البناء، واقتطاع جديد من ميزة الاستثمار في الشركات الناشئة والمتوسطة (PME)، وضريبة على المزايا الاجتماعية التي يقدمها أرباب العمل (كالقسائم الغذائية والشيكات السياحية)، بعائد يقدَّر بمليار يورو (1.2 مليار دولار).
لكن هذه ليست سوى البداية الحزب الاشتراكي يقترح إجراءات أشد وطأة، منها: إعادة النظر في الائتمان الضريبي للبحث العلمي (CIR) البالغ 7.7 مليارات يورو سنوياً (9.1 مليار دولار)، وتقليص امتيازات "اتفاقية دوتريل" الخاصة بنقل الشركات العائلية، وإصلاح الحوافز المرتبطة بخدمات الأفراد.
فواتير ثقيلة على الطاولة
وفي مشروع موازٍ للميزانية، يطرح الحزب الاشتراكي رزمة جديدة من الضرائب، أبرزها: ضريبة زوكمان (15 مليار يورو أو ما يعادل 17.7 مليار دولار) وإصلاح ضريبة الأرباح وتوزيعات الأسهم (4 مليارات يورو أو ما يعادل 4.7 مليار دولار)، وإعادة هيكلة الإعفاءات الاجتماعية (3 مليارات يورو أو ما يعادل 3.5 مليار دولار).
مجتمعة، قد تفرض هذه الإجراءات على الشركات فاتورة تتجاوز 20 مليار يورو (23.6 مليار دولار)، في وقت تعاني فيه من تباطؤ عالمي وتداعيات الحروب التجارية والركود الصيني.
سيناريوهات صعبة أمام الحكومة
لوكورنو تخلى بالفعل عن بعض مقترحات حكومة بايرو، مثل إلغاء يومين عطلة رسمية (كان يفترض أن يوفّر 4 مليارات يورو). لكن من دون إجراءات بديلة قوية، تبقى المعادلة المالية غير متوازنة. ومع ضغط الأسواق من جهة، ومطالب المعارضة من جهة أخرى، يبدو أن الحكومة عالقة بين مطرقة الاشتراكيين وسندان الدائنين.
فرنسا تقف على مفترق طرق اقتصادي حساس: أي تنازلات للمعارضة قد تتحول إلى عبء إضافي على الشركات، بينما أي محاولة لتخفيف الضغط عن عالم الأعمال قد تعرّض الحكومة لمخاطر سياسية ومؤسساتية. في النهاية، قد يكون الثمن "شللاً اقتصادياً" يدفعه الجميع: الحكومة، رجال الأعمال، والعمال على حد سواء.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز