الدين والعجز.. لماذا أصبحت فرنسا الاستثناء السلبي داخل منطقة اليورو؟

بينما تعافت اقتصادات أوروبا تدريجيًا من صدمة جائحة كوفيد-19، ونجحت معظم الدول الأعضاء في منطقة اليورو في تقليص عجزها العام وخفض نسبة دينها إلى الناتج المحلي الإجمالي، ظلت فرنسا متعثرة في هذا المجال.
وقالت صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية، إن المفارقة أن دولًا كانت تعتبر حتى وقت قريب الحلقة الأضعف في الاتحاد، مثل اليونان وإيطاليا، حققت تقدمًا أكبر في إدارة ماليتها العامة، فيما باتت باريس تصنَّف كاستثناء سلبي على الخريطة المالية الأوروبية.
مؤشرات تكشف الفجوة
وبين نهاية عام 2021 ونهاية 2024، سجّلت منطقة اليورو في المتوسط انخفاضًا في الدين العام بمقدار 6.5 نقاط من الناتج المحلي الإجمالي. في المقابل، لم تُسجّل فرنسا أي تحسن، بل ارتفع دينها العام بمقدار 0.2 نقطة.
وهذا التباين يعكس خللًا هيكليًا في قدرة الدولة الفرنسية على السيطرة على إنفاقها العام، في وقت تتزايد فيه الضغوط المرتبطة بخدمة الدين.
إلى جانب الدين، يظل العجز العام مصدر قلق كبير. فمنذ نهاية الجائحة، لم تنجح باريس في تقليصه بالشكل المطلوب، وهو ما جعلها عرضة لانتقادات المؤسسات الأوروبية ووكالات التصنيف الائتماني.
صفعة من وكالات التصنيف
في 12 سبتمبر/أيلول 2024، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لفرنسا، مبررة قرارها بتدهور وضع المالية العامة، فيما رفعت الوكالة نفسها تصنيف البرتغال، وقامت منافستها ستاندرد آند بورز (S&P) بخطوة مماثلة تجاه إسبانيا.
اللافت أن إيطاليا، التي لطالما اعتبرت من أكثر الاقتصادات هشاشة في الاتحاد، استفادت أيضًا من تحسن نظرة وكالات التصنيف، وهذه المفارقة تُسلّط الضوء على "الخصوصية الفرنسية" في إدارة الدين والعجز.
أسباب التراجع الفرنسي
وقالت الصحيفة الفرنسية إن خبراء الاقتصاد يعتبرون أن أسباب فشل فرنسا في السيطرة على عجزها العام متعددة، منها الإنفاق الاجتماعي المرتفع، موضحة أن فرنسا تسجل واحدة من أعلى نسب الإنفاق العام في أوروبا (أكثر من 57% من الناتج المحلي).
كما أشارت الصحيفة إلى أنه من بين الأسباب أيضًا: "ضعف الإصلاحات الهيكلية، فمقارنة بدول جنوب أوروبا التي فرضت إصلاحات صارمة بعد أزمة الديون السيادية، تباطأت باريس في إعادة هيكلة نظامها الضريبي والإنفاقي.
التوترات السياسية والاجتماعية: من إصلاح نظام التقاعد إلى الاحتجاجات ضد سياسات التقشف، غالبًا ما تواجه الحكومات الفرنسية صعوبة في تمرير قرارات اقتصادية جريئة.
المفارقة الأوروبية: الجنوب يتقدم
اليونان، التي خضعت قبل عقد لبرامج إنقاذ قاسية واعتُبرت "الجرح النازف" لمنطقة اليورو، نجحت في خفض دينها تدريجيًا بفضل نمو اقتصادي أفضل وضبط للميزانية.
إيطاليا بدورها، رغم هشاشتها السياسية، أظهرت تحسنًا في التوازنات المالية. حتى البرتغال وإسبانيا، اللتان عانتا بشدة خلال أزمة 2010، تحوّلتا اليوم إلى قصص نجاح نسبي في إدارة الدين والعجز.
التداعيات المستقبلية
وهذا الوضع يطرح تحديات خطيرة أمام فرنسا، منها ارتفاع كلفة خدمة الدين، فمع تشديد السياسات النقدية للبنك المركزي الأوروبي وارتفاع أسعار الفائدة، ستواجه باريس فاتورة أثقل لتمويل دينها العام.
كما أن هناك ضغطًا من بروكسل على فرنسا، إذ يطالب الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء باحترام قواعد الانضباط المالي (3% كحد أقصى للعجز، و60% من الناتج للدين)، واستمرار فرنسا خارج هذه الحدود قد يؤدي إلى مواجهات سياسية واقتصادية داخل الاتحاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز