ألمانيا تقود سباق الفضاء الأوروبي بميزانية قياسية ورائد أول على سطح القمر
في وقت تشهد فيه المؤسسات الأوروبية والدول العالمية ضغوطا اقتصادية خانقة وتقييدا متزايدا للإنفاق العام، خرجت وكالة الفضاء الأوروبية بأكبر مفاجأة في تاريخها الحديث: ميزانية قياسية غير مسبوقة تمثل قفزة استراتيجية قد تغير موازين القوى في الفضاء الأوروبي.
وقالت محطة "بي.إف.إم" الفرنسية إن ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في القارة، قررت تسريع خطواتها نحو الريادة الفضائية، ولو على حساب النفوذ الفرنسي التاريخي في هذا المجال.
ورأت المحطة الفرنسية أن هذا التحول المالي الهائل يعيد رسم خريطة القوة الفضائية في أوروبا ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة ستؤثر على جميع مشاريع الاستكشاف، خصوصًا المهمة المنتظرة لإرسال أول أوروبيين إلى سطح القمر، بينهم ألماني وفرنسي وإيطالي.
على مدار العقدين الماضيين، اقتصرت المنافسة الفضائية العالمية تقريبًا على واشنطن وبكين. لكن أوروبا، وإن كانت متأخرة تقنيًا في بعض المجالات، أرادت إثبات وجودها من خلال مشروع إرسال رواد فضاء أوروبيين إلى القمر لأول مرة في التاريخ.
ورغم إعلان وكالة الفضاء الأوروبية أن أول ثلاث شخصيات أوروبية ستسير على سطح القمر ستكون من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، فإن الأولوية ذُهبت بلا تردد للرائد الألماني، وهو ما يعكس الواقع المالي والسياسي الجديد في أوروبا.
وأعلنت وكالة الفضاء الأوروبية زيادة تاريخية في ميزانيتها بنسبة 30% (17% بعد احتساب التضخم) للفترة بين 2026 و2028، لتصل إلى 22.07 مليار يورو، وهي أكبر زيادة منذ تأسيس الوكالة، ما يضع ESA في موقع قوة وقدرة تنافسية أكبر أمام القوى الفضائية الصاعدة.
من أبرز القطاعات المستفيدة، النقل الفضائي، الذي ارتفعت ميزانيته بنسبة 57% في محاولة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، المتأثر منذ وقف التعاون مع وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" نتيجة الحرب في أوكرانيا، والتأخيرات المتكررة في إطلاق صاروخ "أريان 6"، المشروع الأوروبي الأضخم في مجال الإطلاقات الفضائية.
وتعتبر هذه الخطوة محاولة أوروبية لتعويض فقدان الاعتماد على روسيا وإعادة بناء استقلالية فضائية كاملة.
ورغم رفع معظم الدول الأوروبية مساهماتها، باستثناء رومانيا والسويد والمملكة المتحدة، اختارت دول مثل إسبانيا وبولندا مضاعفة تمويلها. ومع ذلك، يبقى الدور الألماني الأبرز. فقد قررت برلين زيادة مساهمتها بنسبة 45% مقارنة بعام 2022، لتصل إلى 5 مليارات يورو، متجاوزة فرنسا (3.6 مليار يورو) وإيطاليا (3.5 مليار يورو).
وتجعل هذه الأرقام ألمانيا القائد الفعلي لمستقبل الفضاء الأوروبي، وتفسّر اختيار ESA لرائد فضاء ألماني ليكون أول أوروبي يخطو على القمر. كما يعكس القرار الألماني رغبة واضحة في إثبات ريادة جديدة بعد سنوات من الركود الصناعي في بعض القطاعات.
لطالما اعتبرت فرنسا القوة الفضائية الأولى في أوروبا بفضل برنامجها الصاروخي "أريان"، وقاعدة إطلاق كورو في غويانا الفرنسية، ومساهمتها التاريخية في ESA. لكنها اليوم تواجه منافسًا شرسًا يملك اقتصادًا أقوى وميزانية أكبر، ورغبة سياسية أعمق في إعادة بناء حضور فضائي عالمي.
والواضح أن أوروبا تستعد لمرحلة استراتيجية مختلفة تمامًا، حيث تتسارع المنافسة بين القوى الكبرى (أميركا – الصين – الهند – القطاع الخاص)، وتتعاظم أهمية الاستقلالية في الإطلاق الفضائي. أصبح سباق القمر محورًا رئيسيًا للنفوذ السياسي والعلمي، وفي هذا المشهد، تريد ألمانيا أن تكون في المقدمة لا مجرد شريك.
وإذا كانت وكالة الفضاء الأوروبية قد اختارت رائد الفضاء الألماني ليكون أول أوروبي يمشي على القمر، فإن كثيرين يعتبرون هذا القرار بمثابة "مكافأة" على الدعم المالي القياسي الذي قدمته برلين، أو كما يقول المثل الفرنسي: "الاعتراف للبطن"، أي لمن يدفع أكثر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUzIA== جزيرة ام اند امز