الترويكا الثلاثية، خاصة فرنسا، تدرك أن إيران ليس أمامها بدائل كثيرة، وأن السلوك الإيراني لم يطرأ عليه تغيير حقيقي
تراجعت بقوة فرص الجانب الفرنسي في إمكانية الإقدام على خطوة حقيقية للحوار الأمريكي الإيراني، رغم محاولة فرنسا ممارسة ضغوط حقيقية على إيران؛ بهدف تحجيم خطواتها لاتخاذ خطوة تصعيدية رابعة في البرنامج النووي، وهي الخطوة التي أعلنت إيران أنها قد تقدم عليها في 7 نوفمبر المقبل، وفي ظل تعنت الجانب الإيراني وتمسكه برفع العقوبات الأمريكية أولاً قبل الدخول في مفاوضات حقيقية تتجاوز الترتيب الفرنسي بلقاء الرئيسين ترامب وروحاني، والخروج من دائرة الفراغ الراهنة لأجواء أخرى من المفاوضات الحقيقية؛ حيث ما زال الجانب الأمريكي متمسكاً بفكرة تفعيل العقوبات وتنميتها في مواجهة إيران، ورفض كافة المطالب الأوروبية برفع تكتيكي للعقوبات المقررة لإفساح الطريق أمام مفاوضات جديدة تراعي المتطلبات الإيرانية.
في كل الأحوال، وقبل دخول الإدارة الأمريكية في دائرة الانتخابات الاستهلالية للرئاسة، فإن الجانب الأوروبي سيعمل على استمرار طرح الخيارات التفاوضية، التي لن يتفهم أبعادها الجانب الإيراني، بل سيستمر في نهجه العدواني التدخلي لتحقيق أهدافه في الاستمرار والمراوغةركز الجانب الفرنسي في مبادرته التي يعاد تطويرها على فكرة منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، وأن تساعد إيران في أمن المنطقة وممراتها المائية، وأن ترفع واشنطن جميع العقوبات مقابل السماح لإيران باستئناف مبيعات النفط على الفور بدلا من طرح خيارات وحلول مؤقتة، ربما ستكون إيران هي الرابح في حال تطبيق بنودها؛ حيث ما زال الجانب الأمريكي يتشكك فعلياً من النهج الإيراني، وسلوكه العدواني في الإقليم، والذي يتطلب مراجعات حقيقية، ومن الواضح جيداً أن الجانب الأمريكي سيمضي في ذلك لاعتبارات تتعلق باستمرار حالة التباين في الرؤى بين مراكز صنع القرار داخل الإدارة الأمريكية، والتي ما تزال ترى في نظرتها التقييمية استراتيجياً وسياسياً أن إيران لن تتحمل استمرار العقوبات، وأنها ستقدم على خيار التفاوض حال تفعيل العقوبات بالكامل، مقابل تيار آخر من داخل وزارة الدفاع وعدد من مستشاري الإدارة خاصة العسكريين، يرون أن إيران ستستمر في مسارها العدواني بصورة كاملة، ولن تتراجع ولن تقدم على تقديم تنازلات، بل بالعكس ستنتظر الدخول في مرحلة الاستعدادات الأولية للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2020، ووقتها سوف يكون لكل حادث حديث؛ حيث الرهان على انشغال الإدارة، وتحول المواجهات الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران إلى سلوك اعتيادي على المستوى السياسي والاستراتيجي، وهو ما سيخفف الضغوط على النظام الإيراني داخلياً ويدفع بسيناريوهات جديدة لإدارة المشهد، وهو ما تراهن على تفاصيله إيران بتكتيك سياسي لافت، ولحين ترتب خياراتها البديلة بدليل استمرار الخطاب السياسي للرئيس الإيراني والمسؤولين الإيرانيين على وضعه بدون تغيير حقيقي، وهو ما ينذر باستمرار الوضع الراهن.
والواقع أن الترويكا الثلاثية، خاصة فرنسا، تدرك أن إيران ليس أمامها بدائل كثيرة، وأن السلوك الإيراني لم يطرأ عليه تغيير حقيقي، وأن محاولات إعادة تعويم النظام الإيراني إقليمياً وفي الخارج تتطلب شروطاً ومتطلبات لم يقدم عليها الجانب الإيراني بعد، وأن المماطلات والتسويف ما زال قائماً مما سيفشل أي مخطط حقيقي في إمكانية إعادة طرح المبادرات من جديد، وإعادة تصويب مسار الاتفاق القديم، وصياغة اتفاق جديد يمكن أن يكون منطلقاً لاتفاق مقبول أمريكياً حال استمرار الإدارة الامريكية الحالية في البيت الأبيض، فبقاء الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض سيدفع الجانب الإيراني لمراجعة مجمل سياساته وتوجهاته، بما في ذلك إعادة التفاوض ضمن إطار صيغة 5+1، إذا قامت الولايات المتحدة برفع عقوباتها عن إيران، أو ظهرت متغيرات طارئة يمكن أن تفرض نفسها في دائرة التفاوض مجدداً خلال الفترة المقبلة.
والرسالة هنا أن إيران ترتب لمسارات الاستمرار في خيار المواجهة الدبلوماسية، مع الكف مرحلياً عن خياراتها التخريبية في الخليج العربي وفي الممرات المائية لإفساح المجال لتحركات دبلوماسية جديدة على المستوى الأوروبي بدون التزام مسبق بما يطرح، خاصة أن الجانب الفرنسي لن يقبل بفشله في تحريك المشهد، بل سيعمل جاهداً بمشاركة الجانب الألماني لإعادة تقديم الأفكار من جديد بهدف استمرار وجوده في تقريب وجهات النظر، في ظل تمسك فريق المفاوضين الأمريكيين ومن ورائهم الرئيس ترامب باستمرار الخيار التفاوضي وتفعيل برنامج العقوبات، مع التأكيد على أن مزيداً من الضغط على إيران داخلياً سيدفع لحالة حراك مجتمعي ضد النظام الإيراني، بل قد يؤدي إلى اضطرابات جماهيرية كبيرة تدفع إيران لمراجعة مجمل سياساتها.
في كل الأحوال، وقبل دخول الإدارة الأمريكية في دائرة الانتخابات الاستهلالية للرئاسة، فإن الجانب الأوروبي سيعمل على استمرار طرح الخيارات التفاوضية، التي لن يتفهم أبعادها الجانب الإيراني، بل سيستمر في نهجه العدواني التدخلي لتحقيق أهدافه في الاستمرار والمراوغة، وتوظيف كل حساباته وتقديراته في الاستمرار والمواجهة، والعمل على التوصل مجدداً لاتفاق جديد على أسس مختلفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة