مغامرة محفوفة بالمخاطر البيئية.. سفن فرنسية تنقل وقود «موكس» النووي إلى اليابان

أعلنت شركة أورانو الفرنسية المتخصصة في معالجة النفايات النووية وتخصيب اليورانيوم، أن سفينتين محملتين بشحنات من وقود نووي يعرف باسم MOX وهو خليط من اليورانيوم والبلوتونيوم المعاد تدويره، قد غادرتا ميناء شيربورغ الفرنسي متجهتين نحو اليابان.
يُعد ذلك بمثابة خطوة مثيرة للجدل أعادت إلى الواجهة ملف الطاقة النووية وارتباطه بالجدل البيئي.
هذه العملية، التي ستستمر قرابة شهرين من الإبحار عبر محيطات شاسعة، أثارت موجة انتقادات واسعة من منظمات حماية البيئة التي اعتبرت أن المخاطر المترتبة على هذا النقل تفوق بكثير أي مكاسب اقتصادية، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية.
وبحسب تفاصيل الشحنة، فإن 4 حاويات محملة بالوقود النووي أعيد تصنيعها في منشأة "لاهاي" تمت تعبئتها على متن سفينة متخصصة تُدعى Pacific Heron.
وتؤكد شركة "أورانو" أن هذه السفينة صُممت خصيصاً لنقل المواد النووية، وتتمتع بمواصفات فنية متطورة أبرزها الهيكل المزدوج الذي يجعلها "غير قابلة للغرق"، إضافة إلى نظم أمان متقدمة يفترض أن تضمن وصول الحاويات إلى وجهتها دون أي حادث يذكر.
والوجهة النهائية للشحنة هي محطة تكهاما النووية في اليابان، حيث من المقرر استخدام هذا الوقود لتوليد الكهرباء منخفضة الانبعاثات.
ورغم هذه الضمانات، لا تزال المخاوف البيئية قائمة. فجمعيات حماية البيئة ترى أن مجرد نقل مواد نووية عالية الخطورة عبر المحيطات في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة يمثل مغامرة غير مقبولة.
ويؤكد يانيك روسليه، مستشار السلامة النووية لدى منظمة "جرينبيس فرنسا"، أن العملية تعكس منطقاً تجارياً بحتاً يتجاهل حقيقة أن أي حادث محتمل أثناء الرحلة قد تكون له عواقب كارثية، قائلاً: "لا يمكننا القبول بهذا النوع من المخاطرة، فقط من أجل أرباح اقتصادية، بينما تُنقل مواد مشعة عبر محيطات لم تعد آمنة كما في السابق".
الأرقام التي طرحها روسليه تعكس بدورها جانباً آخر من القصة، فمنذ سنوات، أرسل اليابان إلى فرنسا نحو 2793 طناً من الوقود النووي المستهلك، حيث تتم إعادة معالجته في منشآت فرنسية متقدمة، لكن 95% من هذه الكمية لا يزال مخزناً في فرنسا.
ومن بين 1764 حاوية من النفايات النووية متوسطة النشاط التي تراكمت في منشآت "لاهاي"، لا يتوقع أن يعود منها إلى اليابان سوى 20 حاوية فقط. وهو ما دفع خبراء البيئة إلى القول إن هذا التعاون النووي يخدم مصالح اليابان كوسيلة للتخلص من نفاياتها أكثر مما يمثل شراكة متوازنة للطرفين.
ورغم الانتقادات، تدافع شركة "أورانو" بشدة عن سجلها، إذ تشير إلى أن هذه الرحلة هي التاسعة من نوعها منذ عام 1999، ولم يُسجل خلالها أي حادث أمني أو تقني يذكر، مؤكدة أن منظومتها التشغيلية تطبق أعلى معايير السلامة العالمية.
وبالنسبة للشركة، فإن هذه النجاحات السابقة تمثل دليلاً على إمكانية مواصلة البرنامج من دون مخاطر، بل وترى أن السوق اليابانية مرشحة للتوسع في المستقبل القريب مع عودة النشاط النووي تدريجياً في طوكيو بعد سنوات من التراجع الذي أعقب كارثة فوكوشيما عام 2011.
اليوم، تملك اليابان خمسة مفاعلات نووية قادرة على تشغيل هذا النوع من الوقود المعاد تدويره، وهو ما يجعل من مشروع "موكس" جزءاً من استراتيجية الطاقة اليابانية الرامية إلى خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري والانبعاثات الكربونية.
غير أن هذه الرؤية الاستراتيجية تصطدم بانتقادات قوية من الداخل والخارج، بين من يرى أن الطاقة النووية تمثل الحل الأنسب لمواجهة تحديات المناخ، ومن يعتبرها خطراً طويل الأمد يهدد الأجيال المقبلة ويعقد أكثر ملف النفايات المشعة الذي لم يجد له العالم حلاً نهائياً حتى الآن.
وبين دفوعات "أورانو" التي ترفع شعار "الأمان أولاً"، ومخاوف النشطاء البيئيين الذين يحذرون من "كابوس عابر للمحيطات"، يظل هذا الملف مفتوحاً على جدل واسع يعكس المفارقة العالمية حول الطاقة النووية: هل هي أداة لتحقيق مستقبل منخفض الكربون.. أم مجرد مغامرة محفوفة بالمخاطر تُنقل من جيل إلى جيل ومن قارة إلى أخرى؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTMxIA== جزيرة ام اند امز