"منتدى الصداقة ".. حائط صد ينسف أطماع أردوغان
رسائل عدة وجهها وزراء خارجية "منتدى الصداقة" عقب اجتماعهم باليونان، تشي بأن مخرجات الاجتماع ستكون حائط صد تنسف أطماع الرئيس التركي.
اجتماع انطلق الخميس، بمشاركة وزراء خارجية 7 دول عربية وأوروبية (مصر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين واليونان وقبرص)، لبحث تطورات شرق البحر المتوسط.
ورغم تأكيد المشاركين على أن الاجتماع غير موجه لأي طرف، إلا أن مساعي هذه الدول لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، يجعل أهدافها على أرض الواقع حجرة عثرة بوجه أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شرق المتوسط.
توقيت هام
طرح يؤكده توقيت عقد المنتدى، والذي يأتي بالتزامن مع تصاعد وتيرة الأطماع والتدخلات التركية، وسط إجماع دولي على رفض سياسات أنقرة وأجندتها التوسعية.كما أن عقد المنتدى يأتي بعد يوم فقط من تهديد أردوغان بعدم مشاركة بلاده في استكمال المفاوضات مع اليونان لحل النزاع على الحدود البحرية شرق البحر المتوسط، وغداة إطلاق أنقرة عملية عسكرية شمالي العراق بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض، في إصرار تركي على مواصلة سياساتها العدوانية تجاه العراق دون الاكتراث لمواثيق حسن الجوار وحقوق سيادة البلدان على أراضيها.
ويأتي أيضا بعد يومين من تصريحات أردوغان حول الانسحاب المشروط لقواته من ليبيا، فضلا عن وقفه رحلات عودة المرتزقة السوريين من ليبيا، في إصرار واضح على نسف العملية السياسية، ليحافظ على مكتسباته على الأرض، وسط قلقه على مصير اتفاقياته غير الشرعية مع حكومة "الوفاق" في طرابلس.
أيضا، يأتي المنتدى بعد يومين من مطالبة أغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في مجلس الشيوخ الأمريكي، إدارة الرئيس جو بايدن بالضغط على تركيا لبذل المزيد من أجل حماية حقوق الإنسان.
رسائل هامة
تطورات شكلت ملامح السياق العام لانعقاد "منتدى الصداقة" الذي يجمع دولا عربية وخليجية وأوروبية من 3 قارات، ترفض السياسات المزعزعة للأمن والاستقرار بالمنطقة، ليكون المنتدى في حد ذاته رسالة مباشرة لتركيا، بشأن رفض أطماعها وانتهاكها لسيادة الدول.
وأكدت رسائل وزراء خارجية الدول المشاركة، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب المنتدى، على أهمية احترام سيادة الدول، ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة، بلغة هادئة ومتزنة أحيانا وحازمة وحاسمة أحيانا أخرى.
وفي هذا الصدد، حذر وزير خارجية مصر سامح شكري، من أن وجود قوات أجنبية على أراض عربية "ينبئ بتراجع منظومة العلاقات الدولية، وعدم القدرة على احترام مبادئ الأمم المتحدة".
وشدد على ضرورة أن "يكون هناك احترام لكافة المبادئ الدولية والقيم المشتركة، وعدم توظيفها لأغراض ضيقة، داعيا مجلس الأمن الدولي إلى "الاضطلاع بكامل مسؤوليته في تعزيز هذه المبادئ وتوفير الاستقرار".
وفي السياق نفسه، أكد وزير خارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، على "أهمية سيادة الدول وحقوقها وسلامة أراضيها"، مشددا على" إدانة بلاده التدخلات الخارجية في شؤون الدول، والتي تهدد الأمن والسلم الدوليين والاستقرار الاقتصادي العالمي".
وتابع: "ندعم كل ما يفضي لخفض التوتر والتصعيد وحل النزاعات بالحوار والسبل السلمية.. ونحن مستعدون للعمل مع كافة الدول لأجل السلام والاستقرار".
بدورها، قالت وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، إن دولة الإمارات تجدد دعمها لتحقيق الاستقرار الدولي.
وأكدت على ضرورة "احترام القانون الدولي والالتزام بالقوانين الدولية في شرق المتوسط والشرق الأوسط".
ولفتت إلى أن "تزايد حجم التحديات والأزمات التي تواجه المنطقة يتطلب منا التعاون وعملا جديا وزيادة في التنسيق، والتعامل بحكمة وعقلانية لإرساء أسس التنمية والأمن والسلام".
وفي ما يخص مكافحة الإرهاب، أكدت الهاشمي " ضرورة الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية وضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب"، مشيرة إلى أن "الإمارات كدولة محبة للسلام، تواصل مساعيها الرامية لنشر ثقافة التسامح والاعتدال والتعايش بين الشعوب، وتغليب لغة الحوار والعقل بينهم".
أما عبداللطيف الزياني، وزير خارجية البحرين، فأكد أن الجلسات المطولة خلال المنتدى اتسمت بالوضوح والشفافية والصراحة.
وقال إن "اللقاء أتاح لنا فرصة التباحث في عدد من القضايا الإقليمية المهمة، وعلى وجه الخصوص تحديات الأمن والاستقرار، إلى جانب التعاون المشترك لتحقيق الازدهار لصالح شعوب المنطقة".
وأوضح أنه جرى أيضا التباحث حول "تطورات الأوضاع السياسية والأمنية وانعكاسها على أمن واستقرار المنطقة".
رؤية موحدة
رسائل تجمع على دعم الأمن والاستقرار، وتؤكد على أهمية الحوار ورفض التهديد والتدخل في شؤون الدول، تشي أن لدى دول المنتدى رؤية موحدة لمعالجة مختلف ملفات المنطقة، وتعزز التعاون والتكامل فيما بينها، وخصوصا في مرحلة ما بعد أزمة "كورونا".
رؤية من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار، وزيادة الاستثمارات، وتحقيق الرفاهية لمواطني دول المنطقة، شريطة وضع حد لتدخلات أردوغان والوقوف أمام أطماعه بدعم المجتمع الدولي.
وهدد أردوغان، الأربعاء، بعدم مشاركة بلاده في استكمال المفاوضات مع اليونان لحل النزاع على الحدود البحرية شرق البحر المتوسط وبحر إيجه، بسبب موقف أثنيا من أزمة قبرص.
واستأنفت تركيا واليونان في إسطنبول، الشهر الماضي، محادثات متوقفة منذ عام 2016 لتسوية خلافهما بشأن التنقيب عن مصادر الطاقة في شرق البحر المتوسط، بعد أزمة دبلوماسية متواصلة منذ أشهر، وينتظر عقد جولتها الجديدة بأثينا، في مارس/ آذار المقبل .
ويمتد البحر الأبيض المتوسط على مساحات واسعة من حقول الغاز الطبيعي، خاصة في منطقته الشرقية (مصر، إسرائيل، فلسطين، قبرص، اليونان)، فيما تحاول تركيا التي تدعي أنها مظلومة لعدم وجود اكتشافات في مياهها الإقليمية، السطو على حقول دول الجوار.
ومنذ 2019، اشتد الصراع التركي مع دول الجوار، خاصة اليونان وقبرص، للسيطرة على مياه إقليمية موضع خلاف دولي، بهدف تحويلها إلى مناطق امتياز لأنقرة، وسط ترجيحات بأنها تضم كميات من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أنقرة.
وتقول قبرص واليونان إن مزاعم تركيا البحرية تنتهك سيادتها، وتطالب الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، فيما تعهد الاتحاد الأوروبي بتوسيع قائمة عقوباته على البلد الأخير في إطار تحذيرات بعدم إفشال المفاوضات.
و يأتي المنتدى أيضا بعد يومين من تصريحات أردوغان حول الانسحاب المشروط لقواته من ليبيا، فضلا عن وقفه رحلات عودة المرتزقة السوريين من ليبيا، الأمر الذي أثار تساؤلات عن مدى التزام أنقرة بتنفيذ مطالب المجتمع الدولي تجاه البلد الأفريقي الغارق في الفوضى منذ قرابة عقد من الزمن.
وطالب مجلس الأمن، الثلاثاء، باحترام ودعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، بما في ذلك سحب جميع القوات الأٔجنبية والمرتزقة دون مزيد من التأٔخير، داعيًا إٕلى الامتثال الكامل لحظر توريد الأسلحة تماشيا مع قرارات المجلس ذات الصلة، في إشارة إلى تركيا.
ورحب مجلس الأٔمن الدولي بالاتفاق الذي توصل إٕليه منتدى الحوار السياسي الليبي بشأن سلطة تنفيذية مؤٔقتة موحدة لقيادة البلاد إٕلى الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون أول المقبل.
وأعلنت البعثة الأممية للدعم في ليبيا، الجمعة الماضي، تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة ضمن مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي.وكثفت تركيا من نشاطها في الفترة الأخيرة حول ليبيا، مدفوعة بقلق حول اتفاقياتها غير الشرعية مع حكومة "الوفاق" في ليبيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت تركيا توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط مع حكومة فايز السراج، بالإضافة إلى اتفاق حول التعاون الأمني والعسكري الموسع، وبموجبه أرسلت أنقرة نحو 20 ألف مرتزق سوري و 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى إلى طرابلس.
وقضت الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف في مدينة البيضاء الليبية، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بإلغاء قراري ما يسمى "المجلس الرئاسي" لحكومة الوفاق، بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري.
ومن تدخلاتها في ليبيا إلى العراق، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية ، الأربعاء، إطلاق عملية عسكرية في شمال العراق بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض.
وحملت العملية اسم "مخلب النسر 2"، وتأتي استكمالاً للحملة العسكرية التي بدأتها أنقرة في يونيو/حزيران من العام الماضي، بتعقب عناصر حزب العمال الكردستاني، المناهضين لسياساتها المحلية والخارجية.
ورغم الاحتجاجات المستمرة وأساليب التنديد التي أعلنتها بغداد بوجه حكومة أردوغان مراراً وتكراراً، إلا أن الأخير لم يكترث لتلك المطالبات، واستمر في توسيع نطاق عملياته العسكرية بعمق يصل لأكثر من 150 كليومترا داخل الأراضي العراقية.
وكان العراق سلم الجانب التركي مذكرتي احتجاج إلى السفير التركي ببغداد، في أوقات متفرقة من العام الماضي، وهدد بتدويل القضية واللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي ظل تلك السياسات ، تصاعدت ضغوط المشرعين على الإدارة الأمريكية في الملف التركي، وفي إجماع نادر من الطرفين الديمقراطي والجمهوري، وجّه أكثر من 50 عضواً من الحزبين في مجلس الشيوخ انتقادات لاذعة للرئيس التركي، وكتبوا رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن يطالبون فيها بالضغط على أردوغان في ملفات حقوق الإنسان والسياسة الخارجية.