ذبابة الفاكهة.. معلومات عن حشرة يعشقها العلماء
ألغاز علمية كثيرة لا تزال تكشف عنها ذبابة الفاكهة، الحشرة الصغيرة التي يحاربها المزارعون ويعشقها العلماء.
الحشرة التي لا يتعدى حجمها ثلاثة ميلليمترات، كانت دراستها سببا في الحصول العديد منهم على جائزة نوبل.
وقبل نحو 89 عاما، فاز العالم الأمريكي توماس هَانت مورجان عام 1933، بجائزة نوبل، لأبحاثه حول كيفية وراثة هذا النوع من الحشرات طفرة جينية أدت إلى أن تصبح أعينها بيضاء اللون وليست حمراء، وشكلت هذه الأبحاث لاحقا الأساس لما بات يُعرف بـ"الوراثة الجينية"، وكذلك علم الوراثة الحديث.
وبعد مورجان حصل علماء آخرون على جائزة نوبل بسبب أبحاث على ذبابة الفاكهة في أعوام 1946 و1995 و2011، حيث كان كل منهم يكتشف أوجه شبه بين الجينات الخاصة بالأمراض التي تصيب تلك الحشرة الصغيرة، المعروفة علميا باسم "دروسوفيلا مِلانوغستِر"، والبشر، حتى أصبح معروفا الآن، أن 75% من الجينات الخاصة بالأمراض التي تصيب الإنسان، يوجد نظائر يمكن تمييزها في ذبابة الفاكهة، وهو ما بات يؤهلها للاستخدام في أبحاث المجال الطبي، بصورة باتت تفوق الجرذان.
وبالإضافة إلى هذا التشابه الجيني، الذي يعني أن نتائج التجارب التي تُجرى عليها، يمكن أن تنطبق بشكل فعال على البشر، فإن هناك أسبابا أخرى أدخلت ذبابة الفاكهة بقوة إلى معامل الباحثين في المجال الطبي، ومنها دورة حياتها القصيرة، التي تسمح للعلماء بدراسة أجيالٍ متعاقبة منها، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل تطبيقه على البشر خلال الفترة الزمنية نفسها.
ويمكن لأنثى ذبابة الفاكهة أن تضع ما بين 30 و50 بيضة يوميا، طوال حياتها، ولا تستمر دورة الإخصاب لدى هذه الإناث كثيراً، إذ تتراوح عادة ما بين 8 و14 يوميا، ويمكن أن يصبح لإناث تلك الحشرات أحفاد في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع لا أكثر.
ومع كل هذه المزايا، فإن استخدامها غير مرهق ماديا، إذ يمكن للباحثين وضع الملايين منها في المختبرات، ولا تتعدى احتياجاتها الغذائية مواد تحتوي على الكربوهيدرات والبروتين، مثل دقيق الذرة وخلاصة الخميرة.
وليس هناك ما يدعو للعجب بعد كل هذه المزايا والأبحاث التي أجريت على ذبابة الفاكهة منذ أصبحت في خدمة العلم عام 1933، أن نتابع يوميا نتائج أبحاث تتعلق باستخدامها في حل ألغاز طبية، وكان آخرها، حل اللغز الخاص بطفرة في أحد البروتينات توجد عند البشر وتسبب العمى، ولكن الحاملين لها يتمتعون أيضا بالذكاء.
ووجد الباحثون من جامعتي لايبزيج وفورتسبورج بألمانيا، العاملون على حل هذا اللغز، خلال دراسة نشرت نتائجها في شهر مايو/أيار الجاري بدورية "برين"، أن بروتين الذبابة المسمى (RIM)، يبدو متطابقا جزيئا مع البروتين البشري، فقاموا بإحداث طفرة في جينوم الذبابة للتأثير على هذا البروتين بنفس الطريقة التي تحدث عند البشر، فلاحظوا بالفعل أن الذباب المصاب بالطفرة أظهر نقلًا متزايدا للمعلومات عند نقاط الاشتباك العصبي، وربما يوجد هذا التأثير المذهل على المشابك العصبية بالطريقة نفسها أو بطريقة مماثلة في المرضى من البشر، ويمكن أن يفسر ذلك زيادة أدائهم الإدراكي، ولكنه أيضا كان مسؤولا عن إصابتهم بالعمى.
وقبل نحو 4 سنوات، رشح باحثون من جامعة يورك البريطانية ذبابة الفاكهة لتكون أداة فعالة لاختبار علاجات لأحد أهم أعراض مرض التوحد، وهي الاضطرابات الحسية مثل الحساسية المفرطة للأضواء الساطعة والأصوات العالية.
وخلال الدراسة التي نشرت في ديسمبر/كانون الأول عام 2018 بدورية الجمعية الملكية للنشر "Royal Society Publishing"، اكتشف الباحثون أن استجابة الدماغ للاضطرابات الحسية عند مرضى التوحد تختلف بين الأطفال والبالغين منهم، وأن هذه الاختلافات تحاكي تلك التي شاهدوها في سلالة من ذباب الفاكهة تم إجراء تعديل وراثي بها مرتبط بالتوحد.
وفي فبراير/شباط من عام 2019، كانت ذبابة الفاكهة أداة للإجابة عن سؤال حيّر العلماء، وهو لماذا يزيد النوم في أثناء المرض، ووجد الفريق البحثي من كلية بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا بعد دراسة أجريت على 12 ألفا منها، ونشرتها حينها دورية "ساينس"، أن بروتين يسمى نيموري "nemuri"، يتم إفرازه من قبل الخلايا في الدماغ في أثناء التعرض لأي ميكروبات، هو المسؤول عن زيادة الرغبة في النوم.