تونس تنتظر أكبر قرض في تاريخها.. رحلة الدواء المر

دخلت تونس منذ مطلع شهر مايو/أيار في حوار مباشر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض استثنائي تبلغ قيمته 4 مليارات دولار.

وتنطلق هذا الأسبوع المفاوضات التقنية بين تونس وصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على القرض المصنف بأنه أعلى مبلغ تقترضه تونس منذ الاستقلال.

وتلتزم تونس مقابل موافقة المانحين الدوليين بإصلاحات اقتصادية يصفها الخبراء بالموجعة ويتوجس منها المواطن خيفة خاصة وأن جزءا منها يتعلق برفع الدعم عن المواد الأساسية ومن بينها مواد غذائية والتخفيض في كتلة الأجور بنسبة 15%.

• بالأرقام.. دولة عربية تحقق قفزة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعام الوباء
• نزوح عمالقة النفط من تونس.. ما السبب؟
  

فمن أجل إنقاذ الاقتصاد التونسي الذي يعيش صعوبات متراكمة طيلة العقد الأخير، تنطلق المفاوضات.

ويرى متابعون للشأن الاقتصادي التونسي أن الشروط التي ستستجيب لها تونس للحصول على قرض الصندوق سيكون له تداعيات مباشرة على القدرة الاستهلاكية للمواطنين، في ظل عجز مالي بلغ 5.11 % بنهاية 2020 حسب المعهد التونسي للإحصاء (حكومي).

وثيقة حكومية

وفي وثيقة مسربة وحسب تصريحات حكومية خاصة لـ"العين الإخبارية" ، أبدت حكومة هشام المشيشي استعدادها لرفع الدعم الحكومي على المحروقات والبنزين ، والتخفيض في كتلة الرواتب وتسريح آلاف الموظفين من القطاع العام وخصخصة عدد من المؤسسات التابعة للدولة.

جاء في الوثيقة أن الحكومة ستعمل على إلغاء دعم المواد الأساسية خلال الأربعة سنوات المقبلة مقابل تقديم تعويض للفئات الاجتماعية الهشة، دون تحديد قيمة هذه التعويضات.

وكانت تونس قد توجهت الى واشنطن في الفترة الأخيرة ممثلة في وفد يترأسه وزير المالية والاقتصاد علي الكعلي ومحافظ البنك المركزي لتقديم وثيقة الإصلاحات التي تعتزم الحكومة تنفيذها انطلاقًا من هذه السنة 2021.

وحسب مصادر خاصة لـ"العين الإخبارية"، فإن الوفد تعهد لخبراء صندوق النقد الدولي بتجميد الزيادة في الأجور خلال سنة 2021 وخفض نسبتها من 17.4% من الناتج الداخلي الخام في 2020 إلى نسبة 15% في سنة 2022.

انعكاسات اجتماعية

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة السربون الفرنسية الهادي زعيم أن لجوء تونس لصندوق النقد الدولي حتمته المؤشرات الاقتصادية المنهارة التي تعيشها تونس والتي بلغت فيها نسبة النمو سلبي 8بالمائة ، وحاجة الميزانية إلى 6مليون دولار لسداد ديونها الخارجية المبرمجة لسنة 2021.

وأكد قائد "صاحب كتاب المسالك الزائفة" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن ديون تونس بلغت 90% من الناتج المحلي الخام، وهو رقم "مفزع" على حد تقديره، يجعل من قرض صندوق النقد الدولي منفذًا أساسيًا لتفادي الإفلاس وبالتالي سيفرض شروطه على الحكومة التونسية.

وتابع قائلا في المقابل "إن تعهدات الحكومة بخفض كتلة الأجور وإلغاء الدعم على المواد الأساسية سيكون له تداعيات اجتماعية خطيرة على السلم الأهلي ،خاصة وأن اتحاد الشغل ( أكبر منظمة نقابية في تونس) ترفض المساس من القدرة الاستهلاكية للمواطنين وخاصة منهم الفئات الفقيرة".

مفاوضات عسيرة

ووصف عفيف شلبي الوزير التونسي السابق للاقتصاد توجه الحكومة الى إلغاء الدعم بالخطوة الكارثية ، قائلا " إن هذه الخطوة أسالت الكثير من الدماء في البلدان التي اتبعتها".

وحذر في تصريحات إعلامية من تداعياتها الخطيرة على الاستقرار الاجتماعي، داعيا إلى ضرورة إصلاح المؤسسات العمومية دون المساس في حق المواطن من العيش الكريم.

وهي تحذيرات أطلقها العديد من المنظمات المدنية في تونس على غرار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابات العمالية.

خلفيات مظلمة

يشار إلى أن المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، قال في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام، إن المفاوضات مع تونس لازالت جارية بعد أن انطلقت في أول شهر مايو وإنهم لم يحددوا بعد مبلغ القرض الذي تتم مناقشته أو تاريخا زمنيا لاختتام المفاوضات.

فيما أعربت نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كامالا هاريس في مكالمة هاتفية جمعتها برئيس الجمهورية قيس سعيّد الثلاثاء عن دعمها لمفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي.

وتخوض تونس هذه المفاوضات في ظل أزمة مالية خانقة وصفها رئيس الحكومة هشام المشيشي في تصريحات لوكالة رويترز بـ "وضعية حرجة للمالية العمومية" تستدعي تنفيذ إصلاحات عاجلة بالتقليص في كتلة الأجور وتجنب العواقب الوخيمة لارتفاع نسبة الدين العمومي.

وسجلت تونس عجزا بنسبة 11.5% في نهاية 2020 ونسبة نمو سلبية للاقتصاد في حدود 8.8% بسبب تداعيات أزمة كورونا.

وعرض الوفد التونسي الذي ترأسه وزير المالية والاقتصاد علي الكعلي ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال زيارته إلى واشنطن على خبراء ومسؤولي صندوق النقد الدولي وثيقة الإصلاحات التي تعتزم الحكومة تنفيذها ومن أبرز تعهداتها تجميد الزيادة في الأجور خلال سنة 2021 وخفض نسبتها من 17.4% من الناتج الداخلي الخام في 2020 إلى نسبة 15% في سنة 2022.