لنبدأ بهذه الفرضية المقلقة نقلاً عن مستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان.
الذي قال إن "بايدن لا ينوي إعادة القوات الأمريكية إلى أفغانستان، ولا يمكنني تقديم أي ضمانات بشأن ما سيحدث داخل هذا البلد ولا أحد يستطيع ذلك"، بايدن يرغب في مغادرة أفغانستان في الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسوف تغادر جميع القوات الأجنبية بما فيها حلف الناتو بذات التوقيت الذي سوف تغادر فيه أمريكا أفغانستان بعد عقدين من الزمن، حيث بلغت تكاليف الجيوش الدولية مليارات الدولارات دُفعت من أمريكا وأوروبا في هذا البلد المتهالك اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
واشنطن تقول إنها قادرة على اتخاذ إجراءات رادعة ضد "القاعدة" عندما تنسحب من أفغانستان، وهذه الفرضية تبدو غير قابلة للتصور وبشكل مطلق على الأقل من ناحية مستوى الأمن الداخلي لأفغانستان، فعندما تغادر القوات الأمريكية سيكون الفراغ العسكري والسياسي كبيراً، ومن المؤكد أن هناك مَن سوف يتنافس من جديد على الأرض الأفغانية التي لم تعد قادرة على الدخول في منافسات سياسية أخرى.
السؤال المهم يقول: كيف ستتمكن الحكومة الأفغانية من التعامل مع حركة "طالبان"؟ وهل ما زالت "طالبان" تفكر بنفس الطريقة التي كانت تفكر بها عندما كانت حليفة لـ"بن لادن" و"القاعدة"؟ لا يبدو أن جميع أطراف الإدارة الأمريكية ترى في هذا الانسحاب جانباً إيجابياً، فوكالة الاستخبارات الأمريكية تتخوف من هذا الانسحاب الذي من الواضح أنه يتم بلا أي شكل من الضمانات فيما يخص الأمن السياسي في أفغانستان.
كل ما يجب أن يقلق العالم الإسلامي على أفغانستان، خاصة حلفاءها العرب أن تستغل إيران هذه الفرصة لتعيد في أفغانستان ذات المنهجية التي استخدمتها في العراق، والتي يبلغ فيها الشيعة الموالون لإيران أعداداً لا يستهان بها، خاصة أن إيران استخدمت الكثير من المرتزقة الأفغان للقتال بجانبها في سوريا وعلى رأسهم مليشيات ما يسمى "الفاطميون" و"الزينبيون".
الخوف الأكبر أن تدخل أفغانستان في صراع طائفي يفتح صراعاً داخلياً مذهبياً يقضي على ما تبقى في البلاد من هشاشة سياسية واقتصادية واجتماعية تحققت خلال العقدين الماضيين.
المؤشرات توحي بأن لا أحد يرغب في بقاء القوات الأمريكية سواء "طالبان" أو الشعب الأفغاني، ولكن التحدي الأكبر هو القلق من نشوء صراع على السلطة تتم ترجمته على شكل مواجهات عسكرية بين الفرقاء في أفغانستان، التي سوف تجد نفسها في فراغ كبير عند خروج القوات الدولية بتنوعها وهذا الخروج لن يمر إلى البرلمان الأفغاني ببساطة لكي يتولى تحقيق الإنجازات.
الخطورة تكمن في أن يشجع هذا الانسحاب الأزمة من جديد، خاصة أنه لا يمكن القول إن هناك ضمانات سياسية أو أيديولوجية تؤكد أن "طالبان" أصبحت مستعدة للمشاركة في مشروع سياسي أفغاني بأحزاب مختلفة، مستقبل أفغانستان اليوم لم يعد مرتبطاً بانسحاب القوات الدولية من أفغانستان فقط، ولكنه مرتبط بـ"طالبان" والحكومة الأفغانية وقدرتهما على إنقاذ أفغانستان من الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية المفاجئة في الشأن الأفغاني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة