المعنى الوحيد من وراء قيام إيران برفع مستويات تخصيب اليورانيوم هو الابتزاز.
تريد طهران أن تقول لمجموعة "5+1"، إنكم ما لم تقوموا برفع العقوبات فإننا سنواصل أعمال التخصيب إلى الحد الذي يسمح بإنتاج قنبلة نووية. وإيران ليست بعيدة عن ذلك في الواقع، فلو صدقنا أنها تنتج 9 جرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% كل ساعة، باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة، فهذا يعني أنها تستطيع أن تنتج نحو 200 جرام كل يوم.
من المعروف، بوجه عام، أن القنبلة النووية الواحدة تحتاج إلى نحو 50 كيلوجراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة تزيد على 90% لكي تبلغ المستوى الحرج المطلوب للتفجير النووي. ولو أن إيران تمكنت من إنتاج 200 جرام كل يوم بتلك النسبة، فإنها تكون على بُعد 250 يوماً فقط من الحصول على الكمية الكافية لبناء قنبلة نووية.
من المفهوم طبعا، أن اليورانيوم عالي التخصيب ليس هو كل شيء. وإيران لا تملك التقنيات الضرورية الأخرى لكي تصبح كتلة اليورانيوم قنبلة بالمعنى الحقيقي. ولسوف يحتاج الأمر إلى سلسلة من التجارب لمعرفة ما إذا كانت طاقة التفجير الفعلية هي بالمستوى المطلوب بالفعل، إلا أن ذلك كله لا يعني سوى أن إيران تريد أن تمارس عملاً من أعمال الابتزاز فحسب.
ما تطلبه إيران في مقابل التخلي عن هذا "الابتزاز"، هو أن تحصل على المال، وأن تحافظ على نفوذ مليشياتها في المنطقة. ولهذا السبب، فإنها ترفض مناقشة أي مسألة أخرى من مسائل زعزعة الاستقرار، قبل رفع العقوبات.
الأسئلة التي يليق بالجميع البحث عن إجابة لها هي: إذا خضعنا للابتزاز اليوم، فما هو الابتزاز المقبل؟ وهل سيكون هناك ما يضمن ألا تقوم إيران بتوظيف نجاحها برفع العقوبات عن طريق الابتزاز بأعمال من النمط نفسه إذا ما شاءت أن تفرض واقعاً جديداً؟ وإذا كان الابتزاز قد وفّر لها رفع العقوبات والحصول على الأموال لتغذية آلتها العسكرية، فمَن ذا الذي سوف يجبرها على التراجع عن أي تهديدات أخرى؟ وكيف سيمكن لدول مثل الولايات المتحدة أن تملي نفوذها ومصالحها في المنطقة، بينما يرى الكل أنها تقبل الخضوع للابتزاز؟ بل وكيف يمكنها أن تحافظ على هذا النفوذ أصلاً عندما تتحول إيران إلى قوة موازية؟
وعدا عن بقايا الوجود الأمريكي في العراق، الذي رضخت واشنطن لمطالب مليشيات طهران بسحبه، فما الذي يبرر بقاء القوات الأمريكية في أي مكان آخر؟ هل سيكون هذا البقاء هو ثمرة رخصة تحصل عليها واشنطن من طهران؟ وفي مقابل ماذا؟ وإيران التي ترفض أن تتخلى عن دعم مليشياتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، فما الرسالة التي سوف تتلقاها هذه المليشيات عندما ترى أن طهران نجحت في فرض إرادتها على المجتمع الدولي؟ وما الذي يتوجب توقعه من هذه المليشيات بعد أن صار ظهرها محمياً من جانب نظام يعرف كيف يمارس الابتزاز ليفرض ما يريد؟ ولماذا لا تُعامل "إيران النووية" كما تُعامل كوريا الشمالية باستمرار أشد أنواع الحصار؟ لماذا تحظى دولة ترعى الإرهاب وتنشر المليشيات في الجوار "وهو ما لا تفعله كوريا الشمالية" بدلال لا تُعامل به بيونج يانج؟ ما الذي يجعل وزير خارجية نظام همجي يتحدث مع نظرائه الأوروبيين وكأنه صديق، بينما لا أحد يستقبل وزير خارجية كوريا الشمالية؟ وإذا كانت كل قنابل بيونج يانج لم توفر لها خبزاً، فلماذا يجب أن توفر قنبلة إيران خبزاً ومليشيات؟ من أجل ماذا؟ وعلى حساب مَن؟ وإذا كان الخوف هو أن تتمادى إيران في زعزعة الاستقرار، فكيف جاز أن يجري البحث في رفع العقوبات من دون أن تكون هذه هي القضية الأولى؛ هي القضية الأساس؟
السؤال ما قبل الأخير ربما كان: ما نوع العالم الذي سنعيش فيه، عندما تفرض دولة تصنف كـ"أكبر راعٍ للإرهاب" إرادتها على القوى الكبرى لمجرد التهديد بأنها تستطيع أن تنتج ما تحتاج إليه من اليورانيوم المخصب لبناء قنبلة؟
أما السؤال الأخير، فإنما يكمن في حقيقة أن المشروع النووي هو مشروع معرفي بالدرجة الأولى، يتعلق بتقنيات وخبرات غير قابلة للمحو، حتى ولو تم الاتفاق على وقف العمل بها أو خضوع مراكز الإنتاج إلى رقابة دولية صارمة. فما تم وضعه على خرائط، وما تم اكتسابه من معارف، وما تم توفيره من أدوات، لا يمكن شطبه بجرة قلم. فإذا كان ذلك كذلك، فمَن ذا الذي سوف يمكنه أن يوقف الكارثة إذا ما أرادت طهران أن تعود إلى سلوك الطريق ذاته من جديد؟
كل هذا يفيد الوصول إلى استنتاج بديهي وحيد، هو أن الخطر الحقيقي يكمن في النظام الإيراني نفسه، وليس ما يقوم به في هذا المفاعل أو ذاك. وأن الطريق الصحيح لمواجهته هو إبقاؤه محاصراً، وتضييق الخناق عليه، حتى ولو أصبح يمتلك قنبلة نووية. على الأقل لكي يعامل كما تعامل كوريا الشمالية.
ما لم ينته نظام الابتزاز والتهديد وزعزعة الاستقرار، فإنه سيظل يبتز ويهدد ويزعزع الاستقرار في منطقة من العالم أحوج ما تكون إلى الأمن والاستقرار لخدمة مصالح شعوبها.
الكل يعرف أن تشديد العقوبات وليس رفعها هو الرد الصحيح على أي ابتزاز. وهو الخيار الوحيد حيال من لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة، وعن اتباع أي وسيلة توفر له السبيل للمزيد من أعمال التهديد والإرهاب.
من اللائق للكبار أن يتصرفوا ككبار فعلاً، وألا يسمحوا لأنفسهم بأن يقعوا ضحية للابتزاز، لأن ذلك سيكون بمثابة سقطة من التاريخ وليس فقط خروجاً ذليلاً من الجغرافيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة