من أعظم وأجل العبادات التي حثنا عليها الإسلام : عبادة الدعاء، فترى العبد الموفق يقبل على دعاء الله وسؤاله ومناجاته.
وصدق من قال : "ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل والأنس بمحبته".
ومن قرأ في القرآن العظيم يجد أن الله ذكر آيات الصيام في سورة البقرة ثم ذكر في وسط آيات الصيام هذه الآية العظيمة : "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " ففي الآية حض لنا على كثرة سؤال الله ودعائه ومناجاته، فمن الذي يحول بينك وبين هذه العبادة ؟ إذا تتابعت عليك المصائب والأحزان فأين أنت عن عبادة الدعاء ؟
وإذا خذلك الناس وشعرت بألم عظيم في قلبك من عدم وقوفهم معك في الظروف الصعبة فأقبل على عبادة الدعاء، وإذا أردت صلاح الأولاد والبركة والصحة والعافية فأقبل على عبادة الدعاء، فمن بذل الأسباب وصدق في التوكل على الله وأقبل على سؤاله ودعائه وجد خيرا عظيما لا يعلم به إلا الله.
ولكن علينا أن نعترف بأننا نقصر في هذه تحقيق هذه العبادة، بل بعضنا إن أقبل على الدعاء وقع في قلبه الشك وعدم اليقين ودعا بقلب غافل غير متيقن وهذا ينافي حال أولياء الله الصالحين، ففي غزوة بدر قام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بضراعة وإخلاص قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فما زال يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين "" وهكذا يكون القلب إذا امتلأ يقينا بالله تعالى.
ومن جميل ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن إسحاق بن عباد البصري قال: " رأيت في منامي ذات ليلة قائلا يقول: أغث الملهوف، قال: فانتبهت، فقلت: انظروا هل في جيراننا محتاج؟ فقالوا: ما ندري، قال: فنمت ثانيا، فعاد إلي، فقال: تنام ولم تغث الملهوف؟! فقمت، فقلت للغلام، أسرج البغل وأخذت معي ثلاثمائة درهم ثم ركبت البغل فأطلقت عنانه ...حتى بلغ مسجدا يصلى فيه على الجنائز قال: فوقف البغل هناك: فنظرت فإذا رجل يصلي، فلما أحس بي انصرف، قال: فدنوت منه، فقلت: يا عبد الله في هذا الوقت في هذا الموضع ما أخرجك؟ قال: أنا رجل خواص كان رأس مالي مئة درهم، فذهبت من يدي ولزمني دين مئتي درهم، قال: فأخرجت الدراهم وقلت: هذه ثلاثمئة درهم خذها، قال: فأخذها قلت: تعرفني؟ قال: لا، قلت: أنا إسحاق بن عباد فإن نابتك نائبة فأتني، فإن منزلي في موضع كذا وكذا، فقال: رحمك الله إن نابتنا نائبة فزعنا إلى من أخرجك في هذا الوقت حتى جاء بك إلينا".
فهنيئا لمن أنزل حاجته بالله فربنا رب رحيم لا يرد عبده إن أقبل عليه...
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة