الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد..
فإنّ نعم الله على العباد كثيرةٌ لا تحصى، قال تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" [النحل: 18]، وإنّ من نعم الله على العبد الزواج، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21]، فجعل سبحانه الزواج من آياته الدالة على قدرته ورحمته وعنايته بعباده، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يكون بينهما وبين غيرهما، فلا ألفة بين شخصين أعظم مما بين الزوجين.
وبيّن الله سبحانه وتعالى العلة من هذا الزواج فقال: "لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا"، وقال في آية أخرى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف:189]، والسكن يوحي بالطمأنينة والأمن والسكينة والراحة، وكل هذه المزايا متوافرة في الزواج.
وهذا السكن الذي أشار الله إليه في الآية فيه دلالة إلى قرب الزوجين من بعضهما، وقد وصف الله درجة القرب بينهما بقوله "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:178]، واللباس هو أقرب ما يكون للبدن.
وبسبب هذا القرب تتولد المودة والرحمة بينهما، فيعيشان مطمئنين سعيدين، مهما اختلفا أو تخاصما.
كما قد بيّن صلى الله عليه وسلم نعمة الزواج وفضله لكل من الزوجين، فقال في الرجل يرزقه الله زوجة صالحة: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني" أخرجه الطبراني والحاكم، وحسّن الألباني إسناد الحديث لغيره "صحيح الترغيب ح 1916"، فالمرأة الصالحة خير معين للرجل في دنياه، وفي تربية ولده وذريته، وفي أدائه لشعائر عبوديته لله تعالى.
ومن صفات هذه الزوجة الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره" رواه أحمد والنسائي، وهو حسن يُنظر السلسلة الصحيحة ح 1838.
ومن صفاتها كذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْد زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى" رواه النسائي وهو حسن، ينظر صحيح الجامع ح 2604.
وتأمل معي أخي الفاضل هذه المواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين أثر المرأة الصالحة في حياة الرجل، فلما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء، وأصابه ما أصابه من الفزع، إلى أين ذهب؟
ذهب إلى خديجة رضي الله عنها دون غيرها من أهل مكة، وكان لها رضي الله عنها الأثر البالغ في مواساة النبي صلى الله عليه وسلم وطمأنته.
ومن المواقف كذلك ما حصل في صلح الحديبية لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتحلل من إحرامهم، فتأخروا في الاستجابة له، فدخل مغضبا على أم سلمة، فأشارت عليه برأي أذهب غضبه، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم وائتمروا بأمره.
ومن المواقف كذلك التي استفادت منها الأمة قاطبة ما نقلنه رضي الله عنهن من السنة الفعلية والقولية للأمة مما كان معهنّ في بيوتهنّ.
ولعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على صدر زوجته عائشة رضي الله عنها يبين لك أيها الزوج مكانة الزوجة في حياة الزوج.
وفي المقابل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الصالح من نعم الله على الزوجة، فقال: "لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله زوجا ويرزقها منه مالا وولدا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وأحمد، وهو صحيح ينظر السلسلة الصحيحة ح 823، فسمى الزوج والولد رزقا، والرزق حقه الشكر لا الكفر، فمن شكرت بورك لها في زوجها وولدها.
والمرأة تتقرب إلى الله بطاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد.
أربعة أعمال: المحافظة على الصلاة، وأداء الصيام، وتحصين العرض، وطاعة الزوج، والجزاء أن يقال للمرأة يوم القيامة: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت.
ومما ورد في عظيم حق الزواج على زوجته ما رواه أحمد في المسند عن حصين بن محصن رضي الله عنه أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: أذات زوج أنت؟
قالت: نعم
قال: فأين أنت منه؟
قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه.
قال: فكيف أنت له فإنه جنتك ونارك.
إخواني القراء:
مما مضى يتضح لنا جليا نعمة الله علينا بالزواج، رجلا أو امرأة، فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.
ومن شكر نعمة الزواج القيام بالحقوق والواجبات المنوطة بكل من الزوجين تجاه الآخر، وهذه الحقوق مما سيسألنا الله عنها يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، … والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري.
والحمد لله رب العالمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة