إن شهر رمضان من أجل الشهور وأكرمها؛ فضلاً ومنزلةً ومكانةً في الشريعة.
وقد جعل للعباد فيه من القربات الحافظة للقلوب من آفاتها، المعينة على بقاء عافيتها، ما هو من تمام المنة والنعمة من رب رحيم كريم -سبحانه-، حين أراد من عباده التقرب إليه، فسَهَّل لهم تحصيل هذه القربات، بمختلف صنوف المكارم التي أكرمهم بها، فحبس عنهم مردة الشياطين، وضاعف الأجور للعاملين، وفتح أبواب الجنة للمتقين، وأغلق أبواب جهنم عن الصائمين والعابدين، وجعل الصيام جُنَّةً لعباده المؤمنين.
ثم إنه يوم القيامة قد جعل لهم من الأجور العظام، ومنازل الكرام، ما تتشوَّف له النفوس، وتشرئِبُّ له الأفئدة، كما في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، قال الحافظ ابن رجب: «دَلَّ على أن الصيام لا يعلم قدر مضاعفة ثوابه إلا الله - عز وجل - لأنه أفضل أنواع الصبر، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».
وبالجملة فإن أهل العلم يقولون: «إن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وحِمْيَةً لهم وجُنَّة»، وهذا من أعظم الرتب، وأشرفها مكانة، وأعلاها منزلة.
فدونَك أخي المسلم وأختي المسلمة موسمًا جليلاً لنيل معالي الرتب، يغفر الله تعالى فيه للمستغفرين، ويتوب فيه على التائبين، ويرحم الله فيه المسترحمين، وليس ثَمَّ ما يحجز العباد عن الحصول عليها، إذا هي صدقت في إقبالها على ربها، وتقرَّبت إلى باريها، وجعلت الفؤاد معلَّقًا بالدار الآخرة جزاءً وثوابًا.
وإذا رأيتَ ما سبق قليلا في دفع همَّتك للعبادة في هذا الشهر الكريم، فتأمَّل في قوله النبي -صلوات الله وسلامه عليه-: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك»، قال أهل العلم: شعار أهل الإسلام يوم القيامة بطيب خلوف أفواههم في كونه أطيب من ريح المسك؛ ليُعْرَفُوا من بين ذلك الجمع بهذا العمل.
وإذا رأيتَ ما سبق قليلاً أيضًا؛ فتذكر أنه ينادي منادٍ في كل ليلة من رمضان فيقول: «يا باغي الخير أقبل»، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، وقال: «إن لله عند فطر عتقاء، وذلك في كل ليلة». فهذا لعله يحدو بالعبد لعتق نفسه من النار، والفوز بهذا الفضل والكرم من رب رحيم كريم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة