تعرّضت مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق لعدّة هجماتٍ عسكرية قبل أيام، من قبل جماعاتٍ مسلّحة موالية لإيران ومدعومة منها.
لكنها كالعادة لم تتمكن من تحقيق أهدافها؛ إذ لم تخسر القوات الأمريكية المتمركّزة في قاعدةٍ عسكرية في مطار أربيل الدولي أيّا من عناصرها، واقتصرت خسائرها على المادّيات فقط، كذلك لم يكن هناك خسائر بشرية في صفوف قوات "البيشمركة" التي تعد بمثابة جيش الإقليم.
وبطبيعة الحال لم تكن تلك الهجمات التي شنّتها جماعات موالية لطهران مفاجئة، خاصة أنها دأبت في الآونة الأخيرة على استهداف عدّة أماكن داخل الحدود الإدارية لإقليم كردستان؛ حيث تقع بالقرب منها قواعد عسكرية لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن المثير للانتباه أن تلك الهجمات تمّت بواسطة طائراتٍ مسيّرة عن بُعد، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها الجماعات المحسوبة على طهران هذه التقنيات المتطوّرة في استهداف قواعد أمريكية أو أخرى تتبع للتحالف الدولي داخل الإقليم.
إن لجوء هذه الجماعات لاستخدام الطائرات المسيّرة تخفي نيّة حقيقية لديها في تحويل إقليم كردستان إلى ساحةٍ لتصفية حساباتها مع واشنطن بناءً على أوامر مموّليها في طهران، ومع أن أنشطة هذه الجماعات المزعزعة لاستقرار وأمن العراق اقتصرت على بغداد ومناطق عراقية أخرى، إلا أنه بات واضحاً أن طهران تضع الإقليم الكردي ضمن خارطة الأماكن التي تستطيع منها الضغط على واشنطن عبر الهجمات المتفرقة التي تنفذها جماعاتها، خاصة أن حكومة الإقليم حليف وثيق لواشنطن في الداخل العراقي.
كما أن تلك الهجمات تزامنت أيضاً مع محادثات تجريها طهران في فيينا مع عدّة أطرافٍ منها روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، والتي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى عودة واشنطن للاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما يعني فعليا نوعا من الهدوء في العلاقات الأمريكية-الإيرانية، لا سيما أن تلك المباحثات قد تؤدي إلى رفع العقوبات الأمريكية عن طهران، ولذلك تحاول الأخيرة الاستعجال في الوصول لمثل هذه النتيجة من خلال الضغط على واشنطن وقواتها، إضافة لقوات التحالف الدولي في العراق وإقليم كردستان، ولهذا السبب كثّفت الجماعات الموالية لطهران من هجماتها على إقليم كردستان ومناطق عراقية أخرى.
ومن الواضح أن هذا النوع من الهجمات لن يتوقف على المدى القريب، سواءً باستهداف مناطق في العراق أو سوريا أو دولٍ أخرى، وما يؤكد ذلك هو أن الجهة التي استهدفت مطار أربيل فعلت ذلك بطائرة مسيّرة، الأمر الذي يمكن وصفه بتصعيد إيراني كبير، ومن ثمّ هذه الهجمات ستتكرر في الفترة القادمة لحين تتمكن طهران من الوصول لصيغة جديدة في الاتفاق النووي مع واشنطن.
ومن المؤكد أيضاً أن مباحثات فيينا الأخيرة لن تكون سهلة وسريعة، فهي على الأغلب سوف تمتد على جولاتٍ عدّة، ومن ثم ليس هناك جدول زمني بخصوصها، ويبدو أن طهران تستعجل في الحصول على نتيجة فورية منها من خلال تصعيد جماعاتها في العراق ولذلك استخدمت مؤخراً الطائرات المسيّرة، والتي يبدو أنها لن تتوقف في حال فشلت تلك المباحثات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة