مستقبل العمل من المنازل.. مشهد عالمي جديد بعد الجائحة
أحدثت جائحة فيروس كورونا العديد من التغييرات في المشهد العالمي، نتيجة للقواعد الصارمة التي فرضت لمكافحة الفيروس، وأبرزها قاعد البقاء في المنزل، ومن ثم العمل من المنزل.
وقالت الباحثة فانيسا براون كالدر، في تقرير نشره معهد كاتو، إن الاقتصاد العالمي شهد اضطرابات واسعة النطاق منذ بداية الجائحة. واليوم، بلغ التضخم أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عاما، وتقلصت سلاسل التوريد، ويكافح المستهلكون من أجل العثور على السلع والخدمات التي يحتاجون إليها. وفي الوقت نفسه، يسعى أصحاب العمل باستماتة للعثور على عمال.
وأضافت كالدر، التي تشغل منصب مديرة دراسات الفرص وسياسات الأسرة في معهد كاتو، أن نقص الموظفين هو نتاج مجموعة متنوعة من العوامل، ولكن إحدى القضايا التي تجعل من الصعب على أصحاب العمل العثور على موظفين، والاحتفاظ بهم هي أن تفضيلات العمال حول العمل قد تغيرت.
وعلى وجه التحديد، يتمثل أحد التحولات المعروفة في القوى العاملة في أن العديد من العمال حريصون على مواصلة العمل عن بعد وبمرونة، كما فعلوا خلال العامين الماضيين.
ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب مؤخرا، فإن من بين العمال الذين لديهم وظائف يمكن القيام بها عن بعد، عمل 40% إما بشكل حصري (8%) أو جزئيا (32%) عن بعد قبل الجائحة، لكن 91% من العمال القادرين على العمل عن بعد يفضلون ذلك بعد بشكل حصري أو جزئي بعد الجائحة.
ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن العمال قد ذاقوا الآن فوائد العمل عن بعد، ففي استطلاع أجراه مركز بيو، قال 44% من العمال المستجدين على العمل عن بعد، إنه يجعل من السهل إنجاز العمل والوفاء بالمواعيد النهائية، في حين يقول 46% إن من السهل إنجاز العمل كما هو الحال في المكتب، وقال 64% إنه جعل من السهل تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية.
ووفقا لوكالة الأنباء الألمانية، تبرز هذه الفوائد بشكل خاص بالنسبة للآباء العاملين، فعلى مدار سنوات، قال الآباء العاملون إن العمل المرن كان حاسما لنجاحهم في مكان العمل وفي المنزل.
وعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات الاستقصائية لعام 2009، أشارت 69% من الأمهات المؤهلات تأهيلا عاليا إلى مرونة مكان العمل كسبب لمغادرتهن مكان العمل، وفي دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة روكفلر في عام 2009، قال 51% من الآباء إن ساعات العمل والجداول الزمنية الأكثر مرونة هي أهم تغيير من شأنه أن يسمح لهم بتحقيق التوازن بالتساوي بين وظائفهم أو أعمالهم ومراعاة متطلبات الزواج ورعاية الأطفال.
وبعد العمل عن بعد خلال الجائحة، يبدو الآباء العاملون أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن العمل المرن هو فائدة قيمة. وفي استطلاع أجرته شركة ماكينزي، كان الآباء العاملون الذين لديهم أطفال صغار أكثر عرضة للقول إنهم يفضلون العمل في المقام الأول من المنزل مقارنة بالعمال الذين لديهم أطفال أكبر سنا أو عمال بدون أطفال. وفي استطلاع آخر أجرته ماكينزي ، قال الآباء العاملون إن أهم الأسباب لترك وظائفهم مؤخرا تشمل التوازن بين العمل والحياة ورعاية الأسرة والقدرة على العمل عن بعد.
وتقول كالدر إن تفضيل الآباء للعمل عن بعد والمرونة زاد خلال الجائحة على ما يبدو. وكشف استطلاع حديث أجراه معهد الدراسات الأسرية ومؤسسة "يو جوف" أن أكثر من نصف الآباء الذين لديهم أطفال تقل أعمارهم عن 18 عاما قالوا إن جائحة كوفيد 19 جعلتهم أكثر عرضة لتفضيل العمل من المنزل، معظم الوقت أو جزء من الوقت، ومن المثير للاهتمام أن غالبية الآباء العاملين يعتقدون أن الترتيب المثالي هو تقاسم واجبات رعاية الطفل بين الشركاء والعمل لساعات مرنة.
وبطبيعة الحال، ليس كل والد عامل يفضل العمل عن بعد، فحوالي نصف القوى العاملة الأمريكية فقط يمكنهم أداء بوظائفهم عن بعد، حتى في جزء من الوقت.
وكما هو الحال مع معظم الأشياء ، يمكن أن تكون هناك عيوب للعمل عن بعد. على سبيل المثال ، يقول العديد من العمال إنهم يشعرون بأنهم أقل ارتباطا بزملاء العمل عند العمل عن بعد. ونتيجة لذلك، سيتعين على الشركات العمل بجانب الموظفين لتحديد الترتيب المثالي للموظفين الأفراد وتحديد سياسات مكان العمل التي توازن بين تفضيلات العمال واحتياجات مكان العمل.
ولكن في غضون ذلك، يتعين استعراض وتحديث السياسات التي تجعل من الصعب على الآباء العاملين العمل بمرونة. وهناك مجموعة متنوعة من اللوائح التي تجعل العمل المرن والعمل عن بعد أكثر صعوبة ، ويجب تخفيفها أو القضاء عليها.
وعلى سبيل المثال، لوائح العمل المحلية التي تجعل أماكن العمل أكثر صرامة "لحماية" العمال، تجعل العمل أقل مرونة، وبالتالي تجعل العمل والحياة الأسرية أقل توافقا. وفي الوقت نفسه، فإن لوائح العمل الاتحادية، مثل قانون معايير العمل العادلة، التي تتطلب تعويض العمال عن العمل الإضافي بالدفع بدلا من الإجازة المستقبلية، تجعل أيضا تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية أكثر صعوبة. وينبغي إصلاح هذه القواعد لاستيعاب الأسر التي تحتاج إلى عمل مرن.
وترى كالدر أنه في حين يعيد العمال والشركات التفكير في التوقعات حول العمل، يجب على صانعي السياسات إعادة التفكير في العديد من السياسات التي تحظر الترتيبات المرنة والبعيدة التي يتوق إليها الآباء العاملون.
وتخلص كالدر إلى أنه إذا كان ما يقوله الآباء يشكل مؤشرا ما، فإن العمل المرن هو المستقبل. وسيكون من الحكمة أن يمهد صناع السياسات الطريق لذلك.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA=
جزيرة ام اند امز