غابارد تنهي تقريرا عمره ربع قرن.. هل تتجاهل أمريكا التهديدات الاستراتيجية؟

أنهت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد العمل بتقرير "الاتجاهات العالمية" الذي دأب مسؤولو الاستخبارات على إصداره كل 4 سنوات منذ عام 1997، مثيرة جدلاً واسعاً داخل الأوساط الأمنية والسياسية.
كان تقرير "الاتجاهات العالمية"، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، يُنظر إليه باعتباره أحد أهم منتجات جهاز الاستخبارات الأمريكية الموجهة إلى الرأي العام وصناع القرار على حد سواء.
وخلافاً للتقارير السرية التي تبقى محجوبة، كانت هذه الوثيقة تُنشر بشكل علني لتعكس مزيجاً من التحليل الاستخباراتي والخبرة الأكاديمية، وتُستخدم لتوجيه النقاش السياسي حول المستقبل.
وقد لعبت هذه التقارير خلال ربع قرن، دوراً في دق ناقوس الخطر حيال قضايا شديدة الحساسية. فقد حذّر تقرير عام 2012 من أن تغيّر المناخ قد يؤدي إلى اضطرابات إقليمية واسعة ونزاعات على الموارد.
بينما توقّع تقرير 2017 أن العالم قد يواجه جائحة عالمية تُعطل الاقتصاد وتُقيّد السفر وتُربك سلاسل الإمداد. وعندما اجتاح فيروس كورونا العالم بعد ثلاث سنوات فقط، بدا وكأن تلك التحذيرات كانت أقرب إلى نبوءة تحققت.
غير أن مكتب غابارد أعلنت الشهر الماضي حل الفريق المكلّف بإعداده، في خطوة اعتبرها مسؤولون سابقون استجابة لضغوط سياسية، خصوصاً أن التحذيرات المتعلقة بالمناخ باتت "محرجة" في السياق الحالي.
غابارد برّرت القرار بالقول إن مجموعة الاستشراف الاستراتيجي التابعة للمجلس الوطني للاستخبارات فشلت في تحقيق أهدافها وانحرفت نحو "أجندة سياسية منحازة".
وأوضحت أن مراجعة لمسودة تقرير 2025 أظهرت "انتهاكاً لمعايير المهنة التحليلية" وسعياً لفرض رؤية سياسية "تتعارض مع أولويات الرئيس الحالية للأمن القومي".
لكن الخطوة لم تمرّ مرور الكرام داخل واشنطن، إذ ربطها مراقبون بقرارات أخرى مثيرة للجدل اتخذتها غابارد، مثل إغلاق جامعة الاستخبارات الوطنية وتقليص الوحدات المعنية بالتأثير الأجنبي وحماية الانتخابات.
من جانبه، انتقد مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جاك سوليفان، الموقف قائلاً إن التخلي عن قضايا مثل تغيّر المناخ لن يُلغي كونها تهديداً حقيقياً.
وأضاف في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: "الولايات المتحدة ستكون أقل استعداداً لمواجهة هذه التحديات مستقبلاً"، معتبراً أن التشكيك في مهنية موظفي الاستخبارات "إهانة لخبراتهم وخدماتهم".
أما غريغوري تريفرتون، الرئيس السابق للمجلس الوطني للاستخبارات في عهد باراك أوباما، فعبّر عن أسفه لانتهاء المشروع، مشيراً إلى أن إعداد تقارير "الاتجاهات العالمية" لم يكن مجرد تنبؤات، بل أيضاً تمريناً لتطوير أدوات جمع وتحليل المعلومات.
يُذكر أن إدارة ترامب كانت قد اتخذت خطوات مشابهة، أبرزها إغلاق مكتب التقييم الاستراتيجي في البنتاغون، والذي كان معنيا بالتفكير في مستقبل الحروب والتهديدات بعيدة المدى.
وبإلغاء تقرير "الاتجاهات العالمية"، تكون واشنطن قد فقدت واحداً من أبرز أدواتها في استشراف التحديات المستقبلية، في وقت يحذّر فيه خبراء من أن تجاهل قضايا المناخ والأوبئة والهجرة قد يترك الولايات المتحدة أقل استعداداً لمواجهة أزمات عالمية مقبلة.