الغاز في مرمى التصعيد الإسرائيلي-الإيراني.. المخاطر تحاصر أمن الطاقة

يمثل الهجوم الإسرائيلي الذي أصاب حقل بارس الجنوبي للغاز الإيراني؛ بداية تصعيد جديد في المنطقة، يؤثر فورياً على إنتاج الطاقة الإيرانية، ويثير مخاوف بشأن استقرار أسواق الطاقة العالمية.
ويُعد حقل بارس الجنوبي من أهم مصادر الطاقة في إيران، ويقع ضمن بنية تحتية حيوية تنتج نحو 34 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميًا، أي ما يعادل 7% من الإنتاج العالمي. ويُستهلك هذا الغاز بالكامل محليًا، ويغذي قطاعات الكهرباء والصناعة والنقل، بحسب "رويترز".
وتُظهر بيانات شركة "إف جي إي" للاستشارات أن إيران تكرر نحو 2.6 مليون برميل يوميًا من النفط والمكثفات، وتصدر كميات مماثلة، معظمها عبر جزيرة خرج.
وتتركز مرافق إنتاج النفط والغاز الإيرانية بشكل أساسي في الجنوب الغربي، إذ تقع مرافق النفط في إقليم خوزستان والغاز في إقليم بوشهر والمكثفات من حقل بارس الجنوبي العملاق.
أمن البنية التحتية للطاقة.. معادلة صعبة وسط التوترات الجيوسياسية
رغم أن الأضرار الأولية على حقل بارس الجنوبي، محدودة، إلا أن الطريق إلى تصعيد أوسع، وتداعيات جغرافية سياسية تملي على الدول والمستهلكين نقطتين محوريتين قد تسهم في إعادة تشكيل مستقبل الطاقة، وهي:
- إعادة فهم ديناميات سوق الطاقة.
- الاستثمار في بدائل استراتيجية ومرنة.
حقل بارس الجنوبي.. قوة استراتيجية غازية
- حقل غاز ضخم يقع في الخليج العربي، وهو مقسم إلى جزئين: بارس الجنوبي (إيراني) و حقل الشمال (قطري). يمثلان معًا أكبر حقل غاز غير مصاحب في العالم.
- القلب النابض لصناعة الغاز في إيران، يحتوي على ما يُقدر بـ 1800 تريليون قدم مكعب (51 تريليون متر مكعب) من الغاز الطبيعي في الموقع وحوالي 50 مليار برميل (7.9 مليار متر مكعب) من مكثفات الغاز الطبيعي؛ وفقاً لوكالة الطاقة الدولية IEA.
- يمتلك الحقل احتياطيات قابلة للاستخراج تعادل تقريباً احتياطيات جميع الحقول الأخرى مجتمعة، وله تأثير جيوستراتيجي كبير. ويُعتبر الحقل أكبر تجمع للهيدروكربونات التقليدية في العالم.
- يعادل احتياطي الغاز القابل للاستخراج في الحقل حوالي 215 مليار برميل (34.2 مليار متر مكعب) من النفط، كما يحتوي على حوالي 16 مليار برميل (2.5 مليار متر مكعب) من المكثفات القابلة للاستخراج، أي ما يعادل حوالي 230 مليار برميل (37 مليار متر مكعب) من الهيدروكربونات القابلة للاستخراج المكافئة للنفط.
- يبلغ معدل استخلاص الغاز في الحقل حوالي 70%، أي ما يعادل حوالي 1,260 تريليون قدم مكعب (36×1012 متر مكعب) من إجمالي احتياطيات الغاز القابلة للاستخراج، وهو ما يمثل حوالي 19% من احتياطيات الغاز العالمية القابلة للاستخراج.
- تشير تقديرات القسم الإيراني إلى وجود 500 تريليون قدم مكعب (14×1012 متر مكعب) من الغاز الطبيعي في الموقع، وحوالي 360 تريليون قدم مكعب (10×1012 متر مكعب) من الغاز القابل للاستخراج، وهو ما يمثل 36% من إجمالي احتياطيات الغاز الإيرانية المؤكدة، و5.6% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة.
- يضم منصّات بحرية ومعامل معالجة على الساحل الجنوبي لإنتاج الميثان، البروبان، الإيثان، وغاز البترول المسال، تغذّي السوق المحلي وتُستخدم للصناعات البتروكيماوية.
- حقل حيوي لإمدادات الطاقة المحلية في إيران، حيث يوفر 80% من احتياجات الطاقة للكهرباء والتدفئة، ويدعم القطاعات الصناعية وصادرات الغاز الإقليمية (إلى تركيا والعراق). ويعتبر أكبر مشروع للطاقة في إيران باستثمارات إجمالية تتجاوز 100 مليار دولار.
- رسائل إسرائيل.. لماذا استهدفت تل أبيب أكبر حقل غاز في العالم بإيران؟
- النفط في قلب المواجهة.. ضربات إسرائيل وإيران تعيد مخاوف أمن الطاقة
تعطل إنتاج 12 مليون م³ غاز يومياً.. بعد ضربات إسرائيلية مباشرة
في 14 يونيو/حزيران الجاري، نفّذت إسرائيل غارات على منشآت معالجة الغاز التابعة لحقل بارس الجنوبي، مما أدى إلى حريق في وحدة المعالجة لمرحلة 14 وأوقف إنتاج نحو 12 مليون م³ غاز يومياً مؤقتاً، (ما يعادل 2–4% من إنتاج إيران) من الغاز، مما زاد من تفاقم أزمة الطاقة في إيران.
رغم احتواء الأضرار، إلا أن هذه الغارة تُعد أول هجوم مباشر على بنية تحتية غازية إيرانية، مما يكشف عن تصعيد نوعي.
ومن المتوقع أن تكون عمليات الإصلاح معقدة بسبب العقوبات التي تمنع الوصول للتكنولوجيا وقطع الغيار.
ضغوط إضافية على قطاع الغاز الإيراني
التوقف الجزئي في الإنتاج يؤثر على الإمدادات المحلية للغاز الطبيعي والبنزين والإيثان، ويزيد الضغوط على قطاع يعاني أصلاً من نقص واستنزاف قدرات بسبب العقوبات ونقص الاستثمار.
وتوقع المحللون ارتفاع أسعار الطاقة الداخلية، مع احتمال توقف المزيد من الوحدات أو تأخير توسعات مستقبلية في الحقل.
تداعيات إقليمية ودولية للتصعيد الإسرائيلي-الإيراني
- الانخفاض الطفيف في الإمدادات الإيرانية يرفع ضغط السوق، خاصة أن الغرب يحد من وارداته، في حين تبقى أسعار الغاز العالمية على التوتر.
- مع اشتعال النزاع، ترتفع تكاليف تأمين شحنات النفط والغاز عبر مضيق هرمز وخليج عمان، الأساسية لنقل نحو 40% من شحنات النفط العالمية.
- تكاليف الشحن البحرية ارتفعت بنحو 20%، مما يضغط على أسعار البنزين والمازوت في الأسواق المستوردة.
- أسواق النفط شهدت ارتفاع الأسعار بنسبة 9% بشكل فوري عقب الهجمات، وهكذا ارتفعت أسعار النفط والجازولين عالمياً، ومن المتوقع أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل إذا استمر التصعيد، مما يعيد ذكرى أزمات النفط في السبعينات، وبلغت تقديرات بنك جي بي مورغان لبرميل النفط 120 – 130 دولاراً.
- قد يؤثر الهجوم الإسرائيلي-الإيراني المتبادل على معدلات التضخم عالمياً ويُعقّد سياسات البنوك المركزية.
توصيات
في ضوء تفاقم المخاطر الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة، أصبحت الحاجة ملحة لخطط استجابة استباقية لتجاوز أي تحديات أو متغيرات مستقبلية، ففي الوضع الحالي المجتمع الدولي والحكومات والاقتصادات والمستثمرين مطالبون بـ:
- تشجيع بدائل الغاز والتكرير.
- تعزيز أمن البحر الأحمر.
- تطوير الطاقة المتجددة.
- تنويع مصادر الطاقة ودعم مخزوناتها واحتياطياتها.
- التحوط من المخاطر الجغرافية عبر تنويع المحافظ الاستثمارية.
- تسريع تنويع الاقتصاد.
- تحديث البنية التحتية.