كابلات الإنترنت البحرية.. هدف روسي "محتمل" في "مرمى العالم"
أثار تفجير خطي أنابيب الغاز بين روسيا وأوروبا تساؤلات صناع السياسة الغربيين عن الهدف التالي، وإمكانية استهداف الكابلات البحرية.
ولم يتبن أحد بعد المسؤولية عن الهجمات على خطوط أنابيب الطاقة "نورد ستريم"، لكن سرعان ما وجه المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أصابع الاتهام إلى روسيا، وسط تحذيرات من أن شبكة الكابلات الموجودة تحت البحر والتي تشغل الإنترنت العالمي قد تكون هدفا مغريا، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
- تخريب "نورد ستريم".. روسيا تلمح لتورط أمريكا و"الطاقة الدولية" تعلق
- تسرب غاز "نورد ستريم".. هل حذرت واشنطن من "استهداف" شريان أوروبا؟
وحتى الآن، تعرض عدد قليل من كابلات الإنترنت هذه، التي تربط قارات العالم وتمثل الطريق الرقمي السريع لكل شيء، من مقاطع الفيديو إلى معاملات السوق المالية وغيرها، للتخريب على أيدي وكالات استخبارات أجنبية أو أطراف من غير الحكومات.
لكن التهديد حقيقي، بحسب "بوليتيكو"، وذلك جزئي بسبب الأمن الضعيف حول تلك الكابلات واستعداد دول مثل روسيا لاستهداف أهداف غير عسكرية واستخدام ما يسمى بتكتيكات الحرب الهجينة.
وقال الخبير في حرب المعلومات الروسية بمعهد "تشاتام هاوس" البريطاني كير جايلز: "كانت الكابلات البحرية هدفا في الصراعات لأكثر من عقد من الزمان إلى الآن، إن لم يكن هناك اهتمام وثيق بتأمين تلك الأصول الحيوية، لا تلوم الدول الغربية إلا نفسها".
ما هي الكابلات البحرية؟
تُنقل الكابلات البحرية جميع حركة الاتصال على الإنترنت حول العالم عبر شبكة عالمية مكونة من أكثر من 400 أنبوب ألياف ضوئية تمتد، مجتمعة، على مسافة 1.3 مليون كيلومتر. وتشغلها حصريا تقريبا شركات خاصة مثل جوجل ومايكروسوفت، بالإضافة إلى شبكات "ألكاتيل صبمارين" الفرنسية، وعلى نحو متزايد، شبكات "هواوي مارين" الصينية.
وهناك العشرات من تلك الكابلات التي تربط الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة -التي يمكن القول إنها أهم علاقة رقمية في العالم- رغم أن شبكات مشابهة تربط أمريكا اللاتينية مع آسيا، وأفريقيا مع أوروبا، على التوالي.
ويرجع جزء من حساسية تلك الكابلات إلى موقعها، حيث تمتد عبر العالم، وغالبا ما تقع بالمناطق النائية للغاية، والتي يسهل وصول الغواصات إليها أو المركبات غير المأهولة تحت البحر.
كما يجعل الافتقار إلى الرقابة التنظيمية على كيفية تشغيل تلك الشبكات من الصعب على الشركات والحكومات حمايتها. وتقع معظم تلك الخطوط في المياه الدولية.
ويوجد ما يسمى بنقاط الاختناق، أو المناطق المحورية التي تتقاطع فيها الكابلات البحرية الرئيسية، والتي تمثل بعضا من أخطر الأهداف المحتملة. وبالنسبة لأوروبا تتضمن جبل طارق ومالطا.
وبالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر ساحل نيويورك نقطة الاتصال الرئيسية مع أوروبا. وتمثل الشواطئ الغربية للمملكة المتحدة مركز الاتصال بين الولايات المتحدة وباقي أوروبا.
ما هو التهديد؟
تركزت المخاوف من حكومة أجنبية -مثل روسيا، أو الصين، أو كوريا الشمالية- أن تخرب تلك الكابلات البحرية، والتي في الغالب دون حماية وخارج سيطرة الحكومات الغربية.
وحذر مسؤولو الأمن القومي من أن "الأنظمة المعادية قد تحاول أيضا الوصول إلى تلك الخطوط لأغراض المراقبة، بالرغم من أن كلا من السلطات الأمريكية والأوروبية قامت بمثل هذا النشاط في أعماق البحار".
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن "التهديد ليس جديدا. وعلى مدار ما لا يقل عن عقد زمني، نبه صناع السياسات إلى أن كابلات الإنترنت البحرية تمثل هدفا سهلا وتحتاج لمزيد من الدعم الحكومي للحفاظ على سلامتها".
ومنذ حوالي عامين، قال ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إن "الكابلات البحرية بالغة الأهمية ليس فقط لأغراض المجتمع المدني، لكن أيضا للقدرات العسكرية المختلفة".
ويمكن لمعظم الجيوش الغربية اللجوء سريعا إلى اتصالات الأقمار الصناعية الاحتياطية حال تعرضت هذه الكابلات البحرية للاختراق.
لكن حتى الآن، لم تثبت المخاوف بشأن حساسية تلك الكابلات البحرية في الواقع. ويرتبط حوالي ثلثي المشاكل التي تم رصدها بتلك الكابلات، على سبيل المثال، مباشرة بالشحن البحري، إما بسبب شبكات الصيد التي تربك الأنابيب وإما مراسي القوارب التي تسبب أضرارا عرضية، بحسب بيانات "تيلي جيوجرافي"، التي تتعقب هذه الصناعة.
أما أوجه الخوف المتبقية فترجع في الغالب إلى التآكل والاهتراء العادي أو أسباب بيئية مثل الزلازل. ولا توجد حالات مؤكدة لحكومات تقدم على قطع الكابلات لأسباب جيوسياسية، بالرغم من تعرض شبكتين بحريتين نرويجيتين منفصلتين لأضرار في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021 ويناير/كانون الثاني عام 2022، على التوالي، جراء نشاط بشري مزعوم. لكن لم تنسب أوسلو بعد هذا الخلل لأي مجموعة بعينها.
كيف سيبدو الهجوم؟
حذر المسؤولون العسكريون البريطانيون والأمريكيون مرارًا من أن روسيا تتمتع بمهارات تقنية لتدمير أجزاء من البنية التحتية للإنترنت تحت البحر لتعطيل بعض الشبكات الرقمية الغربية.
وغالبا ما تقع تلك الخطوط على مسافة أقل من 100 متر تحت سطح البحر، وستتطلب إما غواصة وإما مركبة غير مأهولة لزرع متفجرات بنقاط حساسة من الشبكة.
ولا ينكر أحد قدرة روسيا على مهاجمة تلك الأهداف. لكن ما تفتقر إليه هو القدرة على شن هجمات عالمية على نطاق واسع لتعطيل البنية التحتية للإنترنت في الغرب بشكل كبير.
وخلال السنوات الأخيرة، بنت الشركات عدة احتياطيات بشبكاتها البحرية، وذلك في الأساس لضمان عدم تأثير أي ضرر قصير الأمد ماديا على نشاط الناس عبر الإنترنت. ومع الزيادة الكبيرة في استخدام الإنترنت زادت أيضًا تلك الخطوط البحرية التي تربط الآن أجزاء متفرقة من العالم عبر عدة مسارات بديلة.
aXA6IDE4LjIyMi43OC42NSA=
جزيرة ام اند امز