إسرائيل وحماس والدبلوماسية الأمريكية.. ما بعد اتفاق غزة
مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون سابقون ناقشوا تفاصيل اتفاق غزة وبنوده وتداعياته على المدى القريب، لتعزيز السلام بالقطاع وما وراءه.
وجاءت النقاشات خلال جلسة نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، بمشاركة دينيس روس، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى الشرق الأوسط، والذي خدم في أربع إدارات أمريكية.
كما شارك أيضا ماثيو ليفيت، مدير برنامج راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، ونائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي السابق لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأمريكية، ونعومي نيومان، رئيسة سابقة لوحدة الأبحاث في جهاز الأمن العام الإسرائيلي.
ويرى دينيس روس أن شروط اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في غزة تتشابه إلى حد كبير مع تلك التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل في أواخر مايو/ أيار الماضي.
لكن "تأثير ترامب" كان عامل حسم في إنجاز الاتفاق، كما يؤكد التنسيق اللافت بين الإدارتين الحالية والمقبلة مع مصر وقطر وإسرائيل أن إبرام الاتفاق يشكل أولوية لواشنطن، وذلك رغم تغيير الإدارة.
حماس في وضع حرج
ويعتقد روس أن حركة "حماس" في وضع حرج، وتسعى جاهدة لتثبيت الهدنة، وليس لديها أي دافع للمخاطرة بانتهاك وقف إطلاق النار، ما يزيد من صعوبة الأمر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا ما قرر خرق الاتفاق، خاصة إذا مارست واشنطن ضغوطًا على تل أبيب للالتزام به.
ويرى روس أنه رغم استمرار وقف إطلاق النار، تبرز عدة تحديات رئيسية ينبغي معالجاتها، مثل: منع تهريب الأسلحة وغيرها من العتاد إلى "حماس".
وأيضا تجفيف منابع التمويل الخارجي للحركة، وتعزيز المراقبة الدقيقة لكيفية استخدام المواد المخصصة لإعادة الإعمار، وتأسيس إدارة مؤقتة يمكنها توفير الاستقرار المدني في غزة وضمان عدم استعادة "حماس" لنفوذها.
ويعتقد ماثيو ليفيت أن الأضرار الجسيمة التي تعرض لها "محور المقاومة" الإيراني، ولا سيما التراجع في القدرات العسكرية لحماس، تعدّ دليلًا واضحًا على الفشل الاستراتيجي للحركة.
وأشار إلى أنه بالرغم من الخسائر الجسيمة التي مُنيت بها "حماس" في الأفراد والمعدات والبنية التحتية والقيادة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أن قدرتها على البقاء في المشهد تمنحها الفرصة لرفع أعلامها وادعاء تحقيق النصر.
وبالإضافة الى ذلك، شكلت الخسائر في صفوف المدنيين ثمنًا آخر قبلت "حماس" دفعه، إذ أكد قادتها مرارًا أن هدفهم كان كسب المعركة على صعيد الرأي العام الدولي عبر دفع إسرائيل إلى إلحاق دمار واسع أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين. وفق ليفيت.
ولفت إلى أن خروج بضع مئات من المقاتلين للاحتفال بوقف إطلاق النار واحتشاد سيارات الصليب الأحمر التي تنقل الرهائن إلى إسرائيل لا يعني أن حماس قادرة على إدارة غزة - ولا تسعى لذلك فعليًا.
ومرة أخرى، تسعى "حماس" إلى التخلص من أعباء الحكم لصالح نموذج مشابه لـ "حزب الله"، حيث تحتفظ بنفوذها على السياسة المحلية دون أن تُثقلها الأعباء البيروقراطية.
ولذلك، تصبح الحاجة إلى إيجاد إطار بديل للحكم في غزة مسألة ملحّة، ففي ظل غياب كيان آخر يتولى إدارة الشؤون المدنية، ستواصل "حماس" فرض سلطتها على وظائف حكومية مختارة تخدم مصالحها بأفضل طريقة ممكنة، مما يعزز استراتيجيتها في استغلال مؤسسات الدولة في غزة دون تحمل موارد كبيرة.وفق المتحدثين.
سؤالان
تقول نعومي نيومان، إن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار يثير سؤالين رئيسيين: لماذا تحقق الآن رغم أنه كان مطروحًا منذ مايو/ أيار الماضي؟ وما هي تداعياته على كلا الجانبين؟
بالنسبة لحماس، ترى أن أي وسيلة تضمن بقاءها تعد إنجازًا في هذه المرحلة، وبالتالي، كان توقيت الصفقة مرتبطًا بتصور مفاده أن "ورقة الرهائن" بدأت تفقد قيمتها مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد عدد الوفيات بين الأسرى.
وفى غضون ذلك، تفاقمت الأوضاع المعيشية لسكان غزة في الأشهر التي تزامنت مع فصل الشتاء، ما قد يدفع حتى أنصار حماس إلى الضغط على الحركة لإنهاء الحرب، وتخفيف حدة الخسائر والدمار، والحد من انتشار الأمراض.
وعلى الجانب الإسرائيلي، اقتنع نتنياهو بالتوقيع على الاتفاق تحت ضغط إدارة ترامب القادمة، والآن، بعد حصوله على هدنة مؤقتة من الضغوط الأمريكية والداخلية، من المرجح أن يتمتع بهامش مناورة أوسع لمواجهة التحديات الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها إيران، إلى جانب التهديدات المحتملة من سوريا وتركيا.بحسب نيومان.
لكن من غير الواضح- تضيف نيومان- ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سيصل إلى مرحلته الثالثة والأخيرة، والتي من المفترض أن تشمل خطوات رئيسية مثل تنفيذ خطة إعادة الإعمار لمدة خمس سنوات، وتكريس نزع سلاح حماس العسكري، ورفع الحصار الإسرائيلي عن غزة.
وتشير إلى أن هذا التقدم سيعتمد بشكل أساسي على مدى التزام إدارة ترامب بالمضي قدمًا في الصفقة واستعدادها لإيقاف القتال في غزة بشكل كامل.
وإذا لم توفر واشنطن وشركاؤها بديلاً فعالًا لحكم "حماس"، فستتمكن الحركة في نهاية المطاف من استعادة قوتها، وإعادة ترسيخ سيطرتها على غزة، وتعزيز نفوذها في الضفة الغربية، مما يؤدي فعليًا إلى العودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل الحرب.
ولمنع حدوث هذا السيناريو، فإن الخيار الأكثر واقعية هو أن يتم السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة وتولي زمام الأمور فيها.
ورغم أن هذا الخيار ليس مثالياً، فإن المتحدثة نفسها ترى أنه "يظل الأقل سوءًا مقارنة بالبدائل الأخرى، والتي تشمل استمرار حكم حماس، أو الفوضى، أو تصاعد الإرهاب".