مستشفيات غزة تحتضر.. دبابات تحاصر «الشفاء» و«الحلو» والموت يطوق المرضى

في الوقت الذي اقتربت فيه الدبابات الإسرائيلية من قلب «غزة» مواصلة الهجوم البري، أصبح نظام الرعاية الصحية في المدينة تحت النيران ويتجه نحو الانهيار.
فبعد مرور ما يقرب من أسبوعين على الهجوم البري الإسرائيلي الأخير على أكبر مدينة في غزة، بات القصف الخارجي يهز جدران المستشفيات، وتحوم الطائرات الإسرائيلية المسيرة حولها، وغالبًا ما تطلق النار بالقرب منها، مما يجعل التنقل بينها أمرًا خطيرًا، وفقًا للعاملين في المجال الصحي.
وضع فاقمه، حصار القوات الإسرائيلية مستشفيي الشفاء والحلو الدولي بمدينة غزة، مستهدفة إياهما بوابل من القذائف المدفعية، رغم وجود عشرات المرضى والنازحين داخله، بحسب مصادر طبية لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
وأوضحت المصادر الطبية، أن القوات الإسرائيلية تستهدف محيط مستشفى الشفاء بشكل متواصل، مع تعذر الوصول إليه، أو الخروج منه، مشيرة إلى فقدان الاتصال بالكادر الطبي داخل المستشفى، فيما لا يزال 12 طفلا حديثي الولادة محاصرون داخله.
حصار
وبالتزامن مع ذلك، تحاصر القوات الإسرائيلية مستشفى الحلو من جميع الجهات، مع اقتراب الدبابات من محيطه، حيث تم تجميع الطواقم الطبية والمرضى داخل الطوابق السفلية، مع تعذر الوصول إلى المستشفى أو الخروج منه، بحسب مصادر «وفا».
ويضم مستشفى الحلو عدة أقسام، بينها: قسم مرضى السرطان، بالإضافة إلى حضانة تحتوي على 12 حالة من الأطفال الخُدَج، ويتواجد أكثر من 90 شخصًا، ما بين طواقم طبية ومرضى محاصرون داخله، في ظل انقطاع تام للاتصالات والانترنت.
في السياق نفسه، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن تدمير عيادتين في غارات جوية إسرائيلية، فيما أغلق مستشفيان بعد تعرضهما لأضرار، وباتت مستشفيات أخرى تعمل بالكاد، في ظل نقص حاد في الأدوية والمعدات والغذاء والوقود.
واضطر العديد من المرضى والموظفين إلى الفرار من المستشفيات، تاركين وراءهم عددًا قليلًا من الأطباء والممرضات لرعاية الأطفال في الحاضنات أو مرضى آخرين يعانون من أمراض شديدة تمنعهم من الحركة.
وأخلى مستشفى القدس الواقع على الأطراف الجنوبية لمدينة غزة معظم مرضاه على عجل خلال الأسبوع الماضي بعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية المنطقة. وأنزل المسعفون أحد المرضى على كومة من الأنقاض.
وغُطِّيَ المريض بالشاش لعلاج حروق بالغة في 40% من جسده، وطلبوا منه التوجه إلى عيادة لتلقي العلاج، وفقًا لأندي فوغان، الممرضة الأمريكية التي كانت من بين المسعفين.
تفكيك قلب غزة الطبي
وفي مقابلة أُجريت معها يوم إجلائها، قالت فوغان: «إنه لأمرٌ جنوني. هذا هو حال نظام الرعاية الصحية»، الذي تقول إن إسرائيل تُفككه عمدًا.
كان مستشفى القدس يتسع في السابق لـ120 مريضًا. أما الآن، فيضم حوالي 20 مريضًا، بينهم رضيعان في العناية المركزة. ويؤوي المستشفى حوالي 60 طبيبًا وممرضًا وعائلات المرضى.
فوغان من سياتل، ومتطوعة في الجمعية الطبية الفلسطينية الأسترالية النيوزيلندية منذ يوليو/تموز. احتفظت بمذكرات فيديو عن فترة عملها في القدس، ونشرتها من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعي.
شاركت عشرات الفيديوهات مع وكالة «أسوشيتد برس»، التي تحققت منها. وأصبح المتطوعون في غزة، مثلها، مصدرًا حيويًا للمعلومات، إذ منعت إسرائيل وسائل الإعلام الأجنبية من الوصول إليها.
كما هو الحال في مستشفيات أخرى، يعاني مستشفى القدس من نقص حاد في الماء والكهرباء والأكسجين. وقد تعرضت محطة الأكسجين التابعة للمستشفى لإطلاق نار إسرائيلي.
وتقول إسرائيل إن حملتها على مدينة غزة تهدف إلى تدمير البنية التحتية لحماس وتحرير الرهائن الذين أُسروا خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أشعل فتيل الحرب. وقد أمر الجيش جميع السكان بمغادرة المدينة والتوجه جنوبًا، مؤكدًا أن ذلك حفاظًا على سلامتهم.
وقالت نبال فرسخ، المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني الذي يدير مستشفى القدس، إن المركبات الإسرائيلية حاصرت المستشفى، «مما أدى إلى تقييد حركة الموظفين والمرضى المتبقين بشكل كامل»، بينما أطلقت طائرات بدون طيار النار على المستشفى والمباني القريبة.
وتتهم إسرائيل حماس باستخدام المرافق الصحية كمراكز قيادة ولأغراض عسكرية، مما يعرض المدنيين للخطر، رغم أنها لم تقدم أدلة كافية على ذلك. وقد شوهد أفراد أمن حماس في المستشفيات، ومنعوا الوصول إلى بعض المناطق.
ويوم السبت، قال الجيش الإسرائيلي، إن الحادث الذي وقع في مستشفى القدس «قيد المراجعة»، مشيرًا إلى الانتهاء من إصلاح خزانات المياه في المستشفى، ويجري العمل على إصلاح غرفة الأكسجين فيه.
وقالت فوغان، متحدثةً من نُزُلٍ في دير البلح بعد إجلائها: «أتلقى رسائل من زملائي هناك يسألونني عن سبب مغادرتي. يقولون لي إنهم سيموتون».
المستشفيات تتعرض للنيران
ورغم الأوامر الإسرائيلية بالمغادرة، لا يزال مئات الآلاف من الفلسطينيين يقيمون في مدينة غزة، التي كان عدد سكانها يقارب المليون نسمة قبل الهجوم المستمر. ويقول خبراء دوليون إن المدينة تعاني من مجاعة .
وأغلقت إسرائيل المعبر الحدودي إلى شمال غزة منذ 12 سبتمبر/أيلول، مانعةً وصول شحنات المساعدات المباشرة إلى المدينة. وسارعت منظمات الإغاثة إلى إيصال الإمدادات من الجنوب، عابرةً طرقًا محفوفة بالمخاطر، في ظل القيود الإسرائيلية المتزايدة على حركتها، وفقًا للأمم المتحدة.
وعلى مدى الأسبوع الماضي، دمرت الغارات الإسرائيلية عيادتين على الأقل في طرفي مدينة غزة وأجبرت اثنتين أخريين على الإغلاق، بما في ذلك مستشفى للأطفال ومركز متخصص في طب العيون، وفقًا للأمم المتحدة. وقالت الحكومة الأردنية إن مستشفى ميدانيًا كانت تديره تم إخلاؤه عندما اقتربت القوات الإسرائيلية.
وتقول الأمم المتحدة إن 27 محطة طبية أخرى ومركزا للرعاية الصحية الأولية في مدينة غزة، وكثير منها ضروري لعلاج سوء التغذية، اضطرت إلى تعليق خدماتها أو إغلاقها في سبتمبر/أيلول.
وفرّ ما يقرب من 100 مريض يومي الأربعاء والخميس من مستشفى الشفاء، المستشفى الرئيسي في مدينة غزة، مع اقتراب الدبابات الإسرائيلية. وخوفًا من التعرض للقصف، توقف العديد من الموظفين عن العمل.
وقال حسن الشاعر، المدير الطبي في مستشفى الشفاء: «الخوف حقيقي». وقُدِّر عدد العاملين الطبيين من غزة المحتجزين لدى إسرائيل حتى فبراير/شباط الماضي بأكثر من 160 عاملاً، وفقًا لمنظمات حقوقية. وأفادت إسرائيل بأن الاعتقالات تُنفَّذ وفقًا للقانون، مُدَّعيةً أن بعضهم متورط في «أنشطة إرهابية» أو أعضاء في حركة حماس.
ويوم الأربعاء، ادعى الجيش الإسرائيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن مسلحين كانوا ينشطون داخل مستشفى الشفاء. وأرفق الجيش مقطع فيديو مشوشًا، قال إنه يُظهر مسلحين يطلقون النار. ولم تتمكن وكالة أسوشيتد برس من التحقق من هذا الادعاء، ونفاه أطباء مستشفى الشفاء، معتبرين ذلك ذريعة لمداهمة المستشفى.
وقال الجيش الإسرائيلي، السبت، إنه يسمح للقوافل الإنسانية التابعة لمنظمات الإغاثة الدولية والعاملين في المجال الصحي بالوصول إلى منطقة مستشفى الشفاء، رغم أنها «منطقة قتال نشطة».
مستشفيات فارغة
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، داهمت القوات الإسرائيلية مدينة القدس لمدة أسبوع، وأغلقتها مؤقتًا. ودمرت أجزاء منها، وأسفرت عن مقتل مدني واحد على الأقل، وفقًا للهلال الأحمر آنذاك.
وتقول الأمم المتحدة وبعض منظمات حقوق الإنسان إن إسرائيل استهدفت المستشفيات بشكل منهجي، باستخدام الضربات المباشرة وتكتيكات الحصار والغارات.
وقالت أزرا زيادة، وهي محللة أنظمة صحية مقرها المملكة المتحدة وتعمل بشكل وثيق مع الفرق الطبية في غزة، إنه بمجرد خروج المستشفى من الخدمة، فإن السكان القريبين عادة ما ينتقلون إلى أماكن أخرى.
وقبل الهجوم الأخير على مدينة غزة، بدأ طاقم مستشفى القدس بتسريح المرضى غير المصابين بحالات حرجة، خوفًا على سلامتهم، وفقًا لفوغان، التي أضافت أنهم حوّلوا حركة المرور بعيدًا عن المستشفى بينما كانت طائرات إسرائيلية بدون طيار تطلق النار على المباني المحيطة.
أدلة مُوثقة
وصورت فوجان مقطع فيديو بهاتفها المحمول يظهر طائرات حربية وقذائف تهبط على المدينة وحول المستشفى.
في إحدى الصور، تهتز غرفتها، وتحجب أعمدة الدخان الكثيفة الرؤية من نافذتها. وفي صورة أخرى، من أحد الطوابق السفلية للمستشفى، يتوقف طفل يحمل وعاء ماء بحجمه، بينما يهز انفجار الجدران.
والأسبوع الماضي، فرت مئات العائلات الفلسطينية التي كانت تلجأ إلى المستشفى وما حوله، بعد أن فرت العديد منها في وقت سابق من القوات الإسرائيلية التي كانت تتقدم من الشمال.
وقالت فوغان إن قافلةً كانت تمر قرب المستشفى تعرضت لإطلاق نار مساء السبت، مضيفة أن مراهقًا أصيب بجرح سطحي في رأسه.
نوافذ محطمة
وبعد يوم، رافقت فوغان ممرضات وحدة حديثي الولادة. ضمت إحدى الرضيعتين المتبقيتين - وعمرها 13 يومًا فقط - إلى جسدها محاولةً تهدئتها، مشيرة إلى أن معدل ضربات قلب الرضيعة انخفض بشكل خطير مع دوي انفجارات قريبة.
ومن نافذة غرفة نومها في الطابق الخامس، سجلت فوغان الضربات القريبة، قائلة: «لقد قصفوا المستشفى مجددًا». وصوّرت ضربة جوية لطائرة أباتشي من بعيد.
في الطابق الرابع، كانت هناك شظايا زجاج على بعض الأسرّة من النوافذ المحطمة. لطخت دماء طازجة فراشًا مهجورًا. صوّر فوغان أرضية مستشفى فارغة تم تنظيفها.
وقالت في مقطع فيديو تم تصويره يوم الإثنين: «كانت الأرضية مليئة بالمرضى في القاعات والآن أصبحت مهجورة لأن الجميع اضطروا إلى الفرار».
ومن أجل سلامتها، انتقلت فوغان في ذلك اليوم إلى الطابق السفلي. وفي اليوم التالي، وبعد مغادرة فوغان بقليل، أبلغها زملاؤها أن المركبات العسكرية الإسرائيلية اقتربت من البوابة الجنوبية للمستشفى.
وفي السياق ذاته، أعلنت المصادر الطبية في غزة ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى 66,055 شهيدًا و168,346 مصابًا، مشيرة إلى أنّ عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض وفي الطرقات، وسط عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز