«ما زلنا على قيد الحياة».. رسائل من تحت القصف في غزة

«ما زلنا على قيد الحياة»، رسائل قصيرة يحاول سكان قطاع غزة إيصالها صباح كل يوم لأقارب لهم في مختلف أصقاع الأرض، لطمأنتهم.

إلا أن تلك الرسائل تعترضها صعوبات جمة؛ فلا كهرباء ولا إنترنت، ولا شبكة للهاتف، فيما وقود تشغيل المولدات بات شحيحًا، ما دفع ببعض العائلات إلى بطاريات السيارات التي لم تعد موجودة -هي الأخرى- أو الزيوت النباتية، لإعادة شحن الهواتف.

وضع عكس الحالة السيئة التي بات عليها «غزة»، تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع المحاصر، بعد اندلاع الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وقتل 4385 شخصا في قطاع غزة منهم 1756 طفلا و967 امرأة، وفق أحدث حصيلة لوزارة الصحة الفلسطينية، فيما على الجانب الإسرائيلي، قُتل أكثر من 1400 شخص معظمهم مدنيون في اليوم الأول للهجوم وفق السلطات الإسرائيلية.

وتفرض إسرائيل منذ أعوام حصارا على القطاع الذي تسيطر عليه حماس منذ 2007. إلا أن الدولة العبرية أعلنت بعد يومين من اندلاع هذه الحرب، فرض «حصار كامل» يشمل قطع إمدادات المياه والكهرباء ومنع إدخال الوقود. وتسبب ذلك بانقطاعات واسعة في الاتصالات مع القطاع الذي بات غارقا في الظلام.

تحدي الحصار

ورغم ذلك، يسعى كثيرون من سكان القطاع إلى طمأنة أقاربهم وأصدقائهم خارجه، ومواصلة نقل صورة ما يجري؛ فمحمود شلبي المسؤول في جمعية «العون الطبي للفلسطينيين» البريطانية يقول في رسالة لزملائه: «أسجّل هذه الرسالة التي قد تكون الأخيرة، رغم أنني آمل ألا تكون كذلك».

ويروي من مدينة بيت لاهيا في شمال القطاع، يومياته على إيقاع «القصف الذي يطال الجميع»، مشددا على أنه «لن أترك منزلي... سأموت واقفا، مجرد وجودي على هذه الأرض هو فعل مقاومة».

•  قمة القاهرة للسلام.. لاءات ضد التهجير ورسائل قوية لمنع نكبة فلسطينية جديدة

ومع التحضير لعملية برية محتملة، طلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال غزة الانتقال نحو جنوبه في خطوة قالت الأمم المتحدة إنها تطال 1,1 مليون شخص.

وتعكس الرسائل التي يبعث بها سكان غزة إلى أقاربهم وأصدقائهم، وتلك المنشورة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حال المعاناة.

ويروى وليد، وهو غزّي يقيم في باريس، أنه دائما ما يعمد إلى مقاطعة محدثيه «عندما يبدأون بقول عبارة إذا حصل لنا أي مكروه، اعتنِ بنفسك». ولا يتمكن الشاب الذي طلب عدم كشف اسمه الكامل، من التواصل مع ذويه بشكل يومي نظرا لضعف شبكات الاتصال.

ويوضح: «أتصل أحيانا عشر مرات على التوالي بدون رد، وأحيانا تصلني رسالة من اليوم السابق، وأحيانا ينقطع الاتصال بعد 30 ثانية فقط».

وفي ظل شبه استحالة الاتصال عبر شبكة الهاتف النقال، يعتمد سكان القطاع وأقاربهم على الخطوط الهاتفية الثابتة وهي قليلة، أو الاتصال عبر الإنترنت وهو ما بات نادرا بسبب انقطاع التيار الكهربائي. ولجأ البعض إلى استخدام مولّدات تحتاج إلى وقود بات شحيحا أو حتى بطاريات السيارات.

وتوضح هبة جمّال، الغزّيّة المقيمة في مدينة ماينهايم الألمانية، أن «عائلتي باتت تعتمد على الزيوت النباتية لتشغيل المولدات لإعادة شحن الهواتف».

صعوبات جمة

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن القصف الإسرائيلي أدى إلى قطع اثنين من الخطوط الثلاثة الرئيسية للاتصالات النقالة وشبكة الإنترنت في قطاع غزة.

وأكدت جمال أنها بالكاد تستطيع التواصل مع عائلتها، ولم تتمكن خلال الأيام المنصرمة من الحصول على أي معلومات بشأن بعض أفراد عائلة زوجها. أما أولئك الذين تتمكن من التواصل معهم، فينقلون صعوبة ظروفهم اليومية.

وتتحدث عن حوار كالآتي: «قصفوا اليوم منطقتكم في خان يونس، هل الجميع بخير؟»، فأتى الجواب: «لم يُقصف منزلنا، الحمد الله، ما زلنا على قيد الحياة».

بالنسبة إلى وليد، باتت شاشات التلفزة وسيلة لمحاولة الاطمئنان؛ فبعد ساعات بدون أنباء من أقاربه، يعمد إلى «مشاهدة وجوه ضحايا القصف عبر التلفزيون.. هذه هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار بشكل مباشر، رغم أن ذلك ليس دائما».

ومن منطقة هوت سافوا الفرنسية، يحاول وفا عليوه الاتصال بذويه الستينيين في قطاع غزة على مدار الوقت، أملا في أن ينجح الاتصال مرة واحدة على الأقل. وإذ يؤكد أنه يخشى سؤالهما عما يأكلانه في ظل شحّ المواد الغذائية، يشدد على أن «الناس يعانون الصدمة».

مسؤولية مهمة

ويواجه الصحافيون المحليون الصعوبات نفسها لسكان القطاع. ويتعذّر على أي صحافي أجنبي حاليا دخول القطاع.

ونزحت الصحافية والكاتبة جميلة توفيق (26 عاما) وعائلتها إلى خان يونس، وتقول: «نحن منفصلون تماما». وأوضحت أن ذويها يسألون شقيقها المقيم خارج غزة عن ردود فعل الدول العربية حيال الحرب أو عدد القتلى في القطاع.

وتؤكد أن تلقي «أي معلومات بشأن الآخرين في قطاع غزة بات يحصل من طريق الصدفة فقط».

ومن مركز الإيواء الموقت حيث باتت تقيم مع أفراد عائلتها، تضطر توفيق للمشي أكثر من عشر دقائق لبلوغ مكان يتوافر فيه اتصال بالهاتف النقال.

ورغم مشقة ذلك وخطر التعرض للقصف، تؤكد توفيق أن نقل صورة ما يحصل يعنيها مباشرة «وهو مسؤولية مهمة»