شباب غزة.. بين مطرقة "العنوسة" وسندان "الهجرة"
عشرات آلاف الشباب الذين حرمتهم الأوضاع من تأسيس أسر وحلم الاقتران بفتاة الأحلام، وهو ما أظهرته معطيات رسمية عن تراجع نسب الزواج في غزة
بعد أيام يتم الفلسطيني علي ناجي 35 عاما من عمره، دون أن يحقق حلمه بالزواج وتأسيس أسرة، ودون أي بوادر لتحقيق ذلك. وناجي واحد من آلاف الشباب الذين يقعون بين المطرقة والسندان.. بين مخاوف "العنوسة" ومخاوف المستقبل والهجرة.
بمرارة تحدث ناجي لـ"العين الإخبارية" عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها وأمثاله من الشباب مع انعدام فرص العمل وتراجع الحركة الاقتصادية، وهو ما حرمه من أبسط ما يحلم به.
ويشير إلى أنه تخرج في الجامعة بعد أعباء مالية باهظة، وساءت أوضاعه عقب وفاة والده دون توفر مصدر رزق رئيسي للعائلة التي تعيش في منزل صغير جنوبي قطاع غزة.
وتساءل: "كيف أتزوج دون دخل ثابت؟ كيف أتزوج دون بيت أو حتى غرفة مستقلة في بيت أهلي؟ يبدو أنني سأموت قبل أن ألتقي فتاة أحلامي".
ناجي واحد من عشرات آلاف الشباب الذين حرمتهم الأوضاع من تأسيس أسر وحلم الاقتران بفتاة الأحلام، وهو ما أظهرته معطيات رسمية عن تراجع نسب الزواج في غزة.
تراجع ملحوظ
أكد الشيخ حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة، أن نسبة الزواج شهدت تراجعا واضحا خلال عام 2018، مرجعا ذلك إلى الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع.
وأوضح أن إجمالي عدد حالات الزواج عام 2018 بلغ 15 ألفا و392 زيجة، مقارنة بـ17 ألفا و367 حالة في 2017.
وأشار إلى أن قطاع غزة يمر بحالة تسمى "العنوسة المركبة"؛ أي عزوف صنف من الشباب في سن 30 عاما وما فوق عن الزواج بسبب إفرازات الواقع الاقتصادي الصعب، وعنوسة من صنف الفتيات.
ووفق معطيات فلسطينية رسمية، فإن البطالة في غزة ارتفعت نهاية عام 2018 إلى 52% مقارنة بـ43% بداية العام، وارتفعت نسبة الفقر إلى 55%؛ ما يعني أن أكثر من نصف سكان القطاع فقراء، وتزيد البطالة في صفوف الشباب والخريجين على 67% وتكاد تصل إلى 70%.
ظاهرة مقلقة
قال الدكتور درداح الشاعر، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة الأقصى في غزة، إن التراجع بألفي حالة زواج خلال عام 2018 يعد ظاهرة مقلقة جدا لمجتمع صغير كغزة الذي يبلغ تعداده مليوني نسمة.
ورأى الشاعر في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الوضع الاقتصادي السبب الأول في ابتعاد الشباب عن الزواج، خصوصا أن تكلفته مرتفعة في المجتمع الفلسطيني ومستوى المعيشة مرتفع في ظل البطالة وغياب آفاق الحل تدفع الشباب لاختيار العزوبية وعدم تحمل مسؤولية أسرة لن يستطيع أن يقودها لبر الأمان.
وفي غزة يتكفل الشاب بكل تكلفة الزواج من المهر والشبكة والبيت وعفشه وتكلفة الحفل والغداء.
وقال الشاعر: "أعتقد أن العزوف عن الزواج آخذ في الارتفاع بغزة خصوصا إذا استمرت الظروف الاقتصادية في التدهور.. وهذا الأمر سيؤدي لزيادة العنوسة بين الفتيات والإدمان والمخدرات والجريمة والهجرة بين الشباب".
ويرى أن ما وصفها بـ"جهات الحكم" تقع عليها مسؤولية إيجاد حلول عاجلة لجيل الشباب لإنقاذ المجتمع من مخاطر انفلاته عن القيم الاجتماعية، تشمل الحلول المطلوبة توفير عمل وتيسير الزواج وتقليل المهور وإتاحة الفرصة للشباب للحصول على بيت مستقل.
أسباب وتداعيات
وتشير ماجدة شحادة، الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والشباب، إلى أن العزوف عن الزواج في غزة من الجنسين، مبينة أن عزوف الشباب مرتبط بالواقع الذي نعيشه؛ حيث حالة الترهل الاجتماعي والاقتصادي وانهيار منظومة القيم الأخلاقية وانغلاق المجال التنموي.
ورأت في حديثها لـ"العين الإخبارية" أن كل ذلك مقومات مرعبة للشباب وتدفعه لليأس والإحباط من الحياة.
وقالت: "منذ 12 سنة (عمر الانقسام الفلسطيني) يتخرج عشرات آلاف الشباب في الجامعات دون فرص عمل حقيقية تستوعبهم في سوق العمل أو الحكومة أو المؤسسات الدولية أو الأهلية.. هناك مَن عمِل في غير تخصصه الجامعي، ومَن حاول فتح منفذ تجاري لكن غالبيتهم واجهوا تحديات كبيرة أحبطت نواياهم".
ظواهر اجتماعية
وذهبت إلى أن معظم شباب غزة يحلمون بالهجرة ويعتبرون الزواج معوقا لها، لذا يعمل كثير منهم على تدبير أمر الخروج من القطاع لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
وسجلت معطيات غير رسمية هجرة آلاف الشبان الفلسطينيين من غزة إلى الخارج، بينما أظهرت استطلاعات رأي رغبة واسعة من الشباب في الهجرة.
القبول الاجتماعي!
الخطير، وفق شاهين، أن العزوف عن الزواج بات مقبولا اجتماعيا على عكس العقود الماضية التي كان المحيط بها عاملا مهما لدفع الشباب للزواج المبكر.
وتحذر من أن تداعيات العزوف عن الزواج خطيرة جدا على جميع الأصعدة؛ إذ يؤدي إلى انهيار منظومة القيم الأخلاقية "فنرى اليوم نسبة كبيرة من حالات الطلاق تعود للخيانات الزوجية خصوصا عبر الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي".
كما رصدت تداعيات على الصعيد السياسي، موضحة أن العزوف عن الزواج يؤدي إلى حالة تقهقر وفقدان الشباب الإيمان بالقيم الوطنية، وعلى الصعيد الاقتصادي يتم تصدير الطاقات الشابة إلى خارج البلاد و"هنا نخسر خسارة فادحة عند هجرة الطاقات خصوصا الخريجين الجامعيين".
aXA6IDMuMTQ0LjI1LjI0OCA= جزيرة ام اند امز