الزواج المشروط يستهوي الجزائريات للهروب من العنوسة
التضحيات التي تقدمها المرأة لتحقيق حلم الزواج تصبح قاسية مع مرور الزمن، خاصة مع المرأة الموظفة التي تواجه الكثير من المشاكل في حياتها
بعد أن ضيّق قانون الأسرة على التعدد في الجزائر، وتخوف الفتيات من اتخاذهن زوجة ثانية أو ثالثة، ظهر قبل سنوات زواج المسيار، وهو زواج أحله كبار رجال الفتوى في العالم الإسلامي، وبموجبه تتزوج المرأة برجل متزوج وتتنازل عن الكثير من حقوقها كالسكن والمبيت والنفقة وغيرها من الحقوق التي نص عليها الشرع، وبموجب الرضا بين الطرفين، اعتبر رجال الدين أن زواج المسيار قائم على الشروط الصحيحة للزواج كالإشهار والشهود والقبول أيضا، غير أن هذا النوع من الزواج فشل في الجزائر لعدم تحمل النساء ظروف الحياة وبُعد الزوج والتنصل من المسؤولية، من جهة أخرى ظهرت بعض الفتاوى تضع المسيار في نفس خانة زواج "المتعة"، ما تجنبته بعض النساء.
بيت ومال والوصاية للمرأة
وفقا لتقرير نشرته مجلة "كل الأسرة" الجزائرية، شاع قبل سنوات زواج يطلق عليه في بعض الأوساط الاجتماعية الجزائرية الضيقة بـ"المشروط"، وهو زواج تتحمل فيه المرأة كل أعباء الحياة المادية من تكاليف المهر والسكن وحفل الزفاف وغيرها من النفقات، ونتج هذا النوع من الزواج بسبب أزمة العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج بسبب الضائقة المالية والظروف الاجتماعية ونقص فرص العمل أمام الشباب.
في المقابل التحقت النساء بالوظيفة العمومية وتمكن من تبوؤ المناصب في سلك التعليم والإدارة والعدالة والصحة بنسبة كبيرة تفوق الرجال، ومكنتهن الوظيفة أيضا من العمل وتحسين دخلهن ووضعهن الاقتصادي.
وتقول مصادر من الوكالة الجزائرية لتحسين وترقية السكن "عدل" إن نسبة النساء الحاصلات على سكن بصيغة البيع بالإيجار تكاد تفوق عدد الرجال، نفس الملاحظة في وكالة السكن الترقوي، وسجلت الجزائر إقبالا كبيرا على القروض العقارية لدى البنوك لاقتناء سكن ترقوي لدى الخواص من طرف النساء الشابات في سن الـ30 إلى الـ40.
المرأة الجزائرية اليوم أصبحت تبحث عن الاستقرار المادي وتوفر لنفسها السكن والسيارة ولا تنتظر من الزوج أو شريك الحياة أن يحقق لها أحلامها، وهو ما أدى لظهور هذا الزواج الجديد الذي يطلق عليه "المشروط"، ويقصد به أن المرأة هي التي توفر السكن والشغل والراتب وتضع دخلها ومالها تحت تصرف رجل يقبل الزواج بها.
البعض يرى أن المرأة المتحررة ماديا لا تتزوج، وترفض الارتباط، هذا ما نفته الدراسات الاجتماعية وحتى النفسية، منها دراسة أشرفت عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجامعة تيزي وزو في علم النفس العيادي، أكدت أن المرأة كلما تقدم بها العمر رغبت في الزواج بأي شكل من الأشكال، بحثا عن الاستقرار الاجتماعي والنفسي، معتبرة الدراسة أن الزواج يزيد من تقدير الذات عند المرأة، في المقابل فإن العازبة أو العانس، تعاني العديد من المشاكل النفسية كالعدوانية والشعور بالدونية وسوء تقدير الذات حسب نفس الدراسة.
من جهة أخرى، يؤكد نفسانيون أن الزواج أصبح أهم من الشهادة الجامعية لدى العديد من البنات.
الفرق بين المسيار والمشروط
الفرق بين المسيار والمشروط، هو أن في زواج "المشروط" تختار المرأة شابا في سنها أو يصغرها ببعض السنوات حتى وإن كان لا يعمل أو يتحصل على دخل زهيد، المهم أن يكون على خلق، ويكون تحت وصايتها، أي أنها المسير الأساسي للأسرة، وتستقبله في بيتها أو تقوم هي بتأجير منزل الزوجية وتمنحه مصروفه وتشتري له الملابس وتوفر له كل وسائل الراحة بشرط أن يقدرها ويستشيرها في كل صغيرة وكبيرة.
تقول سيدة تعمل في سلك العدالة عملت كمحامية لسنوات قبل أن تشارك في مسابقة التحضير القضائي بنجاح، وساعدها عملها على تحقيق ثروة لا بأس بها، إنها في سن الـ36 بدأت تشعر بالخوف من تأخر زواجها وعدم قدرتها على إيجاد شريك حياتها، كانت ترفض بشدة من لا يعمل وذا الدخل المتوسط والذي يعمل بعقد غير دائم، وكانت تضع شروطا تراها مناسبة لوضعها الاجتماعي كمحامية، ولم تكن تقدر على تقديم أي تنازلات في الزواج.
كانت السيدة متخصصة في قضايا الطلاق والخلع، ونظرا لكثرة الملفات والقضايا التي ترافعت فيها وكانت تدور حول الذمة المالية للزوجة، وأن أسباب انهيار الأسرة هو المشكلة المالية وعدم الاستقرار، سبب لها هذا نوعا من الإحباط ودفعها لرفض الزواج من أشخاص دون مستواها.
انقضت السنوات وتخطت عتبة الـ401 وفتحت مكتبها الخاص للتحضير القضائي، وهي مهنة حرة لها هيبة قضائية ودخل جيد، استطاعت هذه الفتاة أن تشتري سكنا خاصا وسيارة فاخرة، لكن شعورها بالعنوسة كان يؤرقها كثيرا وبدأت تبحث بنفسها عن زوج تكمل معه حياتها وتنقذ حلم الأمومة الذي أوشك على نهايته، وبعد وسائط وترتيبات واقتراحات استطاعت أن تقنع شابا يصغرها بـ3 سنوات بالزواج، ووضعت تحت تصرفه كل المال والسكن والسيارة، ولم تكن معه شهادة جامعية ولا وظيفة راقية، بل مجرد عاطل.
الكثير من تجارب الزواج المشروط، خاصة لدى الفتيات على مشارف الـ40 أصبح سائدا في الجزائر، وهي السن التي تقدم فيها التنازلات، فتضع راتبها وشقتها تحت تصرف أي زوج يقبل بها.
أستاذات، محاميات، موظفات، سيدات أعمال في مرحلة ما من العمر وخوفا من العنوسة يفضلن الزواج المشروط وتقوم فيه المرأة وبشكل سري بدفع المهر لنفسها ومن مالها وشراء مصوغات على أساس أن الزوج هو من قام بشرائها، وأحيانا أسرتها لا تعلم بهذه التفاصيل إلا بعد وقوع خلافات أو طلاق.
يقول المحامي إبراهيم بهلولي إن قانون الأسرة الجزائري ينص صراحة على استقلالية الذمة المالية لكل واحد من الزوجين، وأما الباب المخصص للنفقة في المادة 74 من نفس القانون "تجب نفقة الزوجة على الزوج"، أي أن الزوج مطالب بالإنفاق على الأسرة، فلا اجتهاد أمام نص، لكن لا شيء يمنع من أن تقوم الزوجة وبرضاها بمساعدة الزوج في تحمل النفقات، لأن العرف القائم على مبدأ التعاون والتكافل هو مسألة حق شخصي للزوجة في التعاون لبناء أسرة.
الواقع يكذب الأحلام
التضحيات والتنازلات التي تقدمها المرأة لتحقيق حلم الزواج برجل "مشروط" بدفع مهرها لنفسها وتوفر سكن الزوجية وتنفق على أسرتها، تصبح قاسية مع مرور الزمن، خاصة مع المرأة الموظفة التي تثقلها مطالب الحياة وترفض بنفسها أن يكون زوجها عالة عليها حتى وإن اختارته برضاها، لتعود المشاكل في النهاية إلى الذمة المالية والنفقة فتدفعه للعمل أو تطالبه بالمال أو تتوقف عن منحه راتبها أو ثروتها وتطالبه بـ"رجولة" تشعرها بأنها امرأة مسؤولة منه، وهنا تنطفئ الأحلام وتستيقظ حياة الواقع في أروقة المحاكم بطلاق أو بخلع أو بإهمال عائلي، وهي ليست بالضرورة نهاية لكل زواج مشروط، فهناك من النساء مَن تكمل حياتها وتضحي مدى الحياة في سبيل تكوين أسرة وإن كانت بمواصفات ومقاييس ناقصة.
aXA6IDMuMTQ5LjI1My43MyA= جزيرة ام اند امز