لم تتوقف المبادرات الإماراتية الإغاثية لدعم غزة، وباهتمام مباشر من رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي وجه ببدء عملية الفارس الشهم 3، بعد أيام من توجيهاته الكريمة باستضافة ألف طفل فلسطيني رفقة عائلاتهم لتلقي رعاية طبية بمستشفيات الدولة.
مبادرات إنسانية متوالية، فتحت من خلالها أبواب التطوع لتقديم المساعدات الطبية والإنسانية العاجلة للشعب الفلسطيني.
إطلاق عملية الفارس الشهم 3 يأتي في توقيت مهم، يتزامن مع التفاهمات الجارية بشأن معبر رفح لمرور المصابين والمرضى، ما يجعل دولة الإمارات في طليعة الأمم التي تؤدي واجبها الإغاثي تجاه الشعب الفلسطيني، فإنسانية دولة الإمارات هي أحد ثوابتها الراسخة تجاه الأشقاء في فلسطين، رغم الحملات الممنهجة التي تحاول دوماً المتاجرة بالقضية الفلسطينية، ودولة الإمارات دولة أفعال، ولا تحتاج إلى شهادة طالما مواقفها تنطلق من مبادئها الرئيسية، وقيمها الإنسانية التي تضع الإنسان في المقام الأول دون تمييز.
المشهد الإنساني في غزة غير مسبوق مع ارتفاع عدد الضحايا والمصابين، وشح الغذاء والدواء والوقود، ما يتطلب عملية إنسانية عاجلة، وهنا مربط الفرس: فهل ستسمح إسرائيل بهدن مؤقتة وممرات إنسانية، في ظل استمرار عمليات القصف الجوي والغزو البري؟
عند قراءة الشق الإنساني في غزة من زوايا مختلفة، سنجد أن خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قدم رسائل طمأنة أن إيران لن تدخل الحرب بشكل واسع، باستثناء عمليات محدودة لحفظ ماء الوجه عن طريق أدواتها في لبنان وشمال اليمن وسوريا والعراق، ما سيتيح لإسرائيل الاستمرار في عمليات تصفية حماس، دون التخوف من توسيع دائرة الحرب، وسيعطيها وقتا أكبر تستطيع من خلاله فتح ممرات إنسانية، في ظل استمرار الضغوطات العربية.
وهو ما حدث بالفعل في اجتماع عمّان الذي جمع وزراء خارجية الولايات المتحدة والأردن ودولة الإمارات ومصر والسعودية وقطر، وممثل من السلطة الفلسطينية، والذي أثمر عن إجماع عربي بشأن المأساة الإنسانية في غزة، ورفض فكرة التهجير ونقل الأزمة إلى داخل الحدود المصرية والأردنية، وقد يثمر الضغط العربي على واشنطن، إلى بلورة تفاهمات بشأن المساعدات الإنسانية، قد تظهر إلى النور خلال القمم العربية الإسلامية الطارئة المقبلة في الرياض، برغم أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لم يقدم تصورات واضحة حتى الساعة، في استمرار لضبابية السياسة الأمريكية في التعامل مع ملفات المنطقة الأمنية، منذ تولي إدارة بايدن السلطة.
وسمحت واشنطن ومعها الغرب لإسرائيل بتنفيذ ردها الانتقامي على حماس، ولو كان على حساب المدنيين الأبرياء في غزة، وفي نفس الوقت لم تدرك إدارة بايدن وكل الإدارات الأمريكية السابقة، أن أحد مسببات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو إهمال الولايات المتحدة لحقوق الشعب الفلسطيني وأمنه واستقراره.
الشعب الفلسطيني يعاني من ازدواجية المعايير لدى الغرب، ومن جانب آخر القيادات في رام الله وغزة، سواء كانت حماس التابعة لإيران، أو سلطة معترف بها دولياً، ولا يبدو أنها تملك أدوات الحلول، ما يجعل آفاق السلام مرتبطة بالتغيير الجذري في القيادة الفلسطينية، لتتحمل مسؤولياتها اليوم من الناحية الإنسانية، ومستقبلاً عندما تنتهي المأساة، ويبدأ طريق المفاوضات وإعمار الدمار الذي ستخلفه الحرب.
عقدة الأزمة تكمن في من يستطيع ترتيب هدنة إنسانية عبر الضغط على إسرائيل، فلن تستطيع أوروبا التي تتبجح بدروس حقوق الإنسان للدول العربية، تقديم نفس الموضوعية لإسرائيل في ازدواجية معايير واضحة، ولا تملك روسيا والصين أدوات الضغط الكافية على حكومة نتنياهو، ما يجعل أمريكا وحدها القادرة على إقناع إسرائيل لإدخال المساعدات وترتيب وقف لإطلاق النار، مع الأخذ بالاعتبار أن واشنطن تريد في نفس الوقت، إخراج حماس من معادلات المشهد الفلسطيني.
مستقبل الوضع الإنساني في غزة سيتفاقم، ومدى استمرار العمليات العسكرية لا يزال غامضاً، ونستطيع قراءة ما تريده إسرائيل بغطاء غربي، وهو القضاء عسكرياً على حماس، ثم تشكيل إدارة لحكم القطاع، قد تكون السلطة الفلسطينية برقابة أممية أو عربية أو حتى إسرائيلية، ولكن كيف سيجف نزيف جروح غزة؟ فهل تغسلها أدوات إعمار القطاع أم أفق السلام؟ التاريخ وحده سيقرر الصفحات القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة