اليوم الـ58 لحرب غزة.. «فاتورة دم» ترتفع وأفق مفاوضات «ملبد بالخلاف»
قصف مطرد على قطاع غزة، في اليوم الـ57 للحرب، أضاف مئات من المدنيين إلى حصيلة الضحايا بين قتيل وجريح، فاقمه بلوغ المفاوضات مع حماس «طريقا مسدودا»، وزاد «الطين بلة» خلافات الداخل الإسرائيلي.
ولليوم الثالث على التوالي عقب انهيار الهدنة مع حماس، كثفت إسرائيل قصفها على قطاع غزة.
- أزمة الرهائن تحاصر حكومة نتنياهو.. مطالب بإطلاق باقي المحتجزين في غزة
- حرب غزة قد تكلف بايدن إعادة انتخابه.. 6 ولايات تعتزم التخلي عن الرئيس
خسائر غزة
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس، السبت، أن القصف الإسرائيلي من البرّ والبحر والجو منذ صباح الجمعة، أدى إلى مقتل 240 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 650 آخرين، مشيرة الى أنه تركّز على مدينة خان يونس بجنوب القطاع.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي شنّ "مئات الغارات الجوية والقصف المدفعي ومن البوارج والزوارق البحرية الحربية على مناطق قطاع غزة"، ولاسيما في خان يونس حيث "دُمرت عشرات البيوت والبنايات السكنية على ساكنيها".
وفي رفح، قالت وزارة الداخلية التي تقودها حماس، الأحد، إن 7 فلسطينيين قتلوا وأصيب عدد آخر في غارة إسرائيلية على منزل شرقي مدينة رفح بجنوب قطاع غزة.
«أطفال ونساء»
وبدأت مستشفيات في غزة بتلقي القتلى والمصابين، وتحدث الطبيب في مستشفى الأهلي العربي فاضل نعيم، لـ"فرانس برس" عن وصول جثث 30 شخصا على الأقل «بينهم سبعة أطفال وسبع نساء وأربعة من كبار السن، من (حيّي) الزيتون والشجاعية في مدينة غزة».
وتركزت العمليات العسكرية منذ بدء الحرب في شمال القطاع، ولاسيما مدينة غزة، ولم تسلم المستشفيات التي شكّلت مقصدا لآلاف النازحين جراء الحرب في القطاع، من القصف والاقتحام، وبات عدد كبير منها خارج الخدمة، وفق منظمات دولية.
والسبت، أفادت منظمة دولية بـ"تضرر مستشفى العودة حيث لا يزال يعمل زملاؤنا جراء انفجار وقع بعد ساعات قليلة على انتهاء الهدنة".
وأشارت عبر "إكس" إلى أن المستشفى "هو أحد آخر مستشفيات شمال غزة التي لا تزال عاملة بعد أن دمر القصف العشوائي المنطقة"، محذرة من انخفاض "مخزون الإمدادات الطبية في مستشفى العودة إلى مستوى خطير يجعله بأمسّ الحاجة إلى أدوية ومعدات".
وبعد انتهاء مفاعيل الهدنة، الجمعة، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة لما سماها بـ"مناطق الإخلاء" التي يفترض بسكان قطاع غزة مغادرتها، وذلك بعد مطالبة دولية بإنشاء مناطق آمنة، وطلب أمريكي بتجنب قتل المدنيين.
وتقسّم الخريطة غزة إلى مئات القطاعات المرقّمة، ونشرت على الموقع الإلكتروني للجيش الذي قال إن هدفها تمكين السكان من "إخلاء أماكن محددة حفاظا على سلامتهم إذا لزم الأمر".
وعلّق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) على الخريطة بالقول إن نشرها "لا يحدد الوجهة الواجب على الناس الذهاب إليها".
وأضاف "من غير الواضح كيف يمكن للذين يقطنون في غزة أن يطّلعوا على الخريطة بلا كهرباء وفي ظل الانقطاع الحالي في الاتصالات".
وبعث الجيش الإسرائيلي السبت رسائل نصية قصيرة إلى سكان مناطق عدة خصوصا الأحياء الشمالية من خان يونس وبلدات قريبة من الحدود مع إسرائيل وسط قطاع غزة، يطلب فيها منهم الرحيل "فورا".
وحض وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إسرائيل، السبت، على حماية المدنيين بالتوازي مع قتالها ضد حماس في غزة، قائلا إن "توفير الحماية للمدنيين ضروري لتحقيق الانتصار في حرب المدن ضد حركة حماس".
المفاوضات.. عراقيل وخلافات
وحول المفاوضات بين إسرائيل وحماس، فقد قرر رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو إعادة فريق جهاز الاستخبارات (الموساد) من قطر بعد بلوغ المفاوضات مع الحركة "طريقا مسدودا".
وقال مكتب نتانياهو في بيان "بعد بلوغ المفاوضات طريقا مسدودا.. أمر رئيس الموساد ديفيد بارنياع فريقه الموجود في الدوحة بالعودة إلى إسرائيل".
ورأى أن "حماس لم تنفّذ التزاماتها بموجب الاتفاق الذي شمل الإفراج عن جميع الأطفال والنساء المختطفين وفقا للائحة أرسِلت إلى حماس وصادقت عليها".
وامتدت الهدنة سبعة أيام وأتاحت الإفراج عن 80 رهينة من الإسرائيليين الذين يحمل بعضهم جنسيات أخرى، كانوا محتجزين في غزة، مقابل إطلاق 240 من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. والغالبية العظمى من هؤلاء من النساء والأطفال.
كما أفرجت حماس عن 25 رهينة إضافية من الأجانب لم يشملهم الاتفاق الأساسي.
وأتاحت أيام الهدنة إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية الى القطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر في ظل حاجات متزايدة لسكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وتتقاذف إسرائيل وحماس المسؤولية عن انتهاء الهدنة وعدم تمديدها، على عكس الرغبة التي أبدتها أطراف الوساطة، قطر ومصر والولايات المتحدة.
وقالت الحركة الجمعة إنها اقترحت "تبادل أسرى" بـ"مسنّين" من الرهائن وأن تُسلّم جثث رهائن إسرائيليين "قُتلوا في القصف الإسرائيلي".
وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة أنه تأكد من وفاة 5 من الرهائن وأبلغ عائلاتهم، قائلا إن الدولة العبرية استعادت جثة أحدهم.
تطورات ميدانية
ميدانيا، أكد الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه قصف "أكثر من 400 هدف إرهابي" في غزة، مشيرا إلى أن طائراته الحربية ضربت "أكثر من 50 هدفا في هجوم مكثف في منطقة خان يونس".
وأوضح أنه استهدف "شمال قطاع غزة" بالمدفعية والغارات، وعلى وجه الخصوص "الخلايا الإرهابية" و"المسجد الذي تستخدمه حركة الجهاد كمركز قيادة عملياتي"، و"مستودع أسلحة"، بحسب البيان الإسرائيلي.
وفي إسرائيل، أفادت السلطات السبت بصدور أكثر من 40 إنذارا بشأن إطلاق صواريخ على وسط البلاد وجنوبها، من دون تسجيل ضحايا.
من جانبها، أعلنت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس «قتل عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، الأحد، بعد تفجير عبوات في تمركز لهم في قطاع غزة»، بحسب قولها.
وقالت "كتائب القسام" ، في منشور أوردته وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) عبر منصة إكس :"فجر اليوم تمكنا من رصد تمركز لعشرات من جنود الاحتلال (60 جندياً) داخل خيام في نقطة تموضع لهم شرق جحر الديك، فقمنا بزراعة 3 عبوات مضادة للأفراد بشكل دائري حول التمركز".
وأضافت أنه :"تم تفجير العبوات في الجنود وتقدم أحد العناصر للإجهاز على من تبقى من أفراد القوة وانسحبوا إلى مواقعهم بسلام بعد إيقاع عدد كبير من الجنود قتلى"، بحسب قولهم.
أسف وتحذيرات دولية
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أسفه العميق" لاستئناف القتال، آملا في "التمكن من تمديد الهدنة".
بدوره، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت إلى "مضاعفة الجهود توصلا إلى وقف دائم للنار والإفراج عن جميع الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس وتزويد سكان غزة بمساعدات".
كما حذّر إسرائيل من أن هدفها المعلن بـ"القضاء بالكامل" على حركة حماس قد يؤدي إلى حرب تمتد "عشر سنوات".
لكن نتانياهو أعلن السبت أن الحرب في قطاع غزة ستتواصل "إلى أن نحقق كامل أهدافها" بما في ذلك إعادة جميع الرهائن الإسرائيليين والقضاء على حماس.
وقال في أول مؤتمر صحفي يعقده منذ انقضاء مهلة هدنة استمرت 7 أيام "استعد جنودنا خلال أيام الهدنة لتحقيق انتصار كامل على حماس".
تصعيد الضفة
وبموازاة حرب غزة، تواصل التصعيد في الضفة الغربية المحتلة، نفذت القوات الإسرائيلية عمليات في مناطق مختلفة، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية.
وأحصت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل زهاء 240 فلسطينيا برصاص الجيش والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وأعلن الجيش الإسرائيلي السبت أن جنوده قتلوا بالرصاص فلسطينيا عند نقطة تفتيش قرب مدينة نابلس بعد أن "سحب سكينا وبدأ بالتقدم نحوهم".
ضربات بلبنان وسوريا
وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل، استؤنف تبادل إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني الذي تربطه علاقة وثيقة بحماس.
وأكد الحزب مقتل اثنين من عناصره جراء عمليات قصف إسرائيلي على جنوب لبنان حيث قتل مدني أيضا، كما أعلن شنّ هجمات على مواقع عسكرية إسرائيلية عند الحدود مع لبنان.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع السورية أن الجيش الإسرائيلي نفذ ضربات فجر السبت في محيط دمشق.
وأسفر القصف عن مقتل أربعة مقاتلين موالين لإيران بالغارات التي استهدفت مواقع لحزب الله اللبناني قرب دمشق، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
من جهته، أعلن الحرس الثوري الإيراني، السبت، مقتل 2 من عناصره في هجوم إسرائيلي في سوريا، مشيرا الى أنهما كانا يؤديان "مهمة استشارية"، دون تفاصيل.
وتثير حرب غزة مخاوف من اتساع التصعيد ليطال جبهات أخرى في الإقليم، خصوصا بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة من جهة، وإيران وأطراف حليفة لها من جهة أخرى.
وأسفر هجوم حماس على جنوب إسرائيل عن نحو 1200 قتيل غالبيتهم مدنيون قضى معظمهم في اليوم الأول للهجوم، حسب السلطات الإسرائيلية.
وأسفر القصف المكثف على غزة حتى الآن أكثر من 15 ألف قتيل، معظمهم مدنيون وبينهم أكثر من ستة آلاف طفل، وفق حكومة حماس.
وفي نيويورك، قالت المديرة العامة لليونيسف كاثرين راسل "إذا استؤنفت أعمال العنف بهذا الحجم وهذه الشدة، يمكننا أن نفترض أن مئات الأطفال الآخرين سيُقتلون ويصابون كل يوم".
وباتت الاحتياجات هائلة في القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي، حيث تعرض أكثر من نصف المساكن لأضرار أو دُمّر ونزح 1,7 مليون شخص بسبب الحرب وفق الأمم المتحدة.
ويشهد الوضع الصحي تدهورا، إذ تحدثت منظمة الصحة العالمية عن وجود 111 ألف إصابة بالتهاب الجهاز التنفسي الحاد و36 ألف حالة إسهال لدى أطفال دون الخامسة بين النازحين في غزة.
خلافات الداخل
وفي ظل الحرب المستمرة، بدأت آثار صدع تظهر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بسبب حرب غزة، وبعض النقاشات المتعلقة بها، من المفاوضات مع «حماس» إلى موعد استئناف الحرب.
ورغم أن الخلافات ظهرت في ثنايا الكلمات التي أدلى بها نتنياهو وغالانت في مؤتمرين صحفيين منفصلين عقداهما مساء السبت، إلا أنها لم تقتصر على عدم ظهورهما معا في مؤتمر صحفي واحد.
وحاول نتنياهو تفسير سبب ظهوره وغالانت في مؤتمرين صحفيين منفصلين؛ قائلا: «اقترحت على وزير الدفاع عقد مؤتمر صحفي مشترك (..) لقد قرر ما يقرره».
لكن القناة 13 الإسرائيلية قالت إن مكتب نتنياهو دعا وزير الدفاع غالانت لحضور المؤتمر الصحفي في المساء فقط، بعد أن استدعى الأخير وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحفي كان هو نفسه قد خطط له مسبقا.
ورفض مكتب غالانت عرض نتنياهو، قائلا: «في بعض الأحيان نعقد مؤتمرات صحفية معا وأحيانا بشكل منفصل».
وبحسب مصادر «العين الإخبارية»، فإن خلافات برزت بينهما بشأن المفاوضات مع «حماس» عبر الوسطاء القطريين والمصريين لإعادة الرهائن الإسرائيليين من غزة، إضافة إلى موعد استئناف الحرب.
فنتنياهو اعتبر أن قرار المفاوضات كان «الصائب»، قائلا: «كان من الواضح لي أنه يمكننا تحرير العشرات من خاطفينا من براثن هذا الشيطان. تفاوضنا بقوة، تحت النار، من الصباح إلى المساء. تحدثت مع بايدن وضغطنا على الوسطاء لتحسين الخطوط العريضة».
وأضاف: «كل هذا الجهد أثمر. ضاعفنا عدد المفرج عنهم. ولم تكتمل المهمة بعد. سنقاتل حتى النهاية».
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: «لقد حققنا إطلاق سراح مختطفينا بفضل مزيج من الضغط العسكري والجهد السياسي».
إلا أن غالانت، اعتبر أن الطريق الوحيد هو الضغط العسكري، قائلا في مؤتمره الصحفي: «يجب على جميع النساء وجميع الأطفال الذين تحتجزهم حماس العودة إلى منازلهم وعائلاتهم. لقد انتهكت حماس الاتفاق».
وأضاف: «حماس ترفض إعادة 15 امرأة وطفلين. ونتيجة لذلك، أصدرت تعليماتي إلى الجيش الإسرائيلي باستئناف إطلاق النار. لقد رأيت النتائج عن قرب في الساعتين الماضيتين. طالما أنهم لا يعيدونهم، سنكثف النار».
تصريحات غالانت توحي بأنه هو من قرر استئناف الحرب، غير أن نتنياهو أقر بأن هناك ضغطا دوليا يُمارس على إسرائيل لمحاولة إعادة تحريك ملف الأسرى.