اتفاق غزة.. حبة حماس «السامة» و«تعنت» نتنياهو يرجئان خطط أمريكا
مجددًا، انقلبت جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن التي استمرت شهورًا للتوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن بين إسرائيل وحماس رأسًا على عقب مرة أخرى في الأيام الأخيرة، مما وضع اتفاق غزة على جهاز الإنعاش.
تطورات قال عنها مسؤولون أمريكيون، إنها دفعتهم إلى إرجاء خطتهم لتقديم اقتراح «خذها أو اتركها» للجانبين، إلى أجل غير مسمى.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، إن الولايات المتحدة، اعتقدت للوهلة الأخيرة أن التوصل إلى اتفاق في متناول اليد، لكن إسرائيل أو حماس عرقلت المحادثات بمطالب جديدة أرجعت المفاوضين إلى الوراء أسابيع أو أشهر.
إرث بايدن
وأشارت إلى أن فرص بايدن في إنهاء الحرب المستمرة منذ 11 شهرًا في غزة وإعادة الرهائن المتبقين قبل مغادرته منصبه باتت بعيدة أكثر من أي وقت مضى، مما يزيد من احتمال إنهاء رئاسته دون التوسط لإنهاء الصراع الذي اجتاح عامه الأخير في منصبه ويهدد بتشويه إرثه.
ويخشى المفاوضون على نحو متزايد أن لا إسرائيل ولا حماس لديهما الدافع الحقيقي للتوصل إلى اتفاق. ويقول مسؤولون في البيت الأبيض وأعضاء في الكونغرس ودبلوماسيون إن وقف إطلاق النار يشكل مفتاحاً ليس فقط لمعالجة الوضع الإنساني المأساوي في غزة وإطلاق سراح الرهائن المتبقين، بل وأيضاً لتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقاً.
وقال السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: «في معظم الأيام، من الواضح أن الأمريكيين يعملون بجدية أكبر بكثير من الحكومة الإسرائيلية. أعتقد أن وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة محتملة للغاية بسبب الحسابات السياسية التي يقوم بها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحماس. أقدر كثيرًا فريق بايدن لمثابرته ومحاولة إعادة تنشيط هذه المحادثات، حتى مع ظهور عقبات كبيرة أمام الجانبين».
مطالب جديدة
وبينما كان المفاوضون الأمريكيون والقطريون والمصريون يعملون على التفاصيل النهائية لـ«اقتراح جسر» يهدف إلى حل الخلافات المتبقية بين الجانبين، قدمت حماس المطلب الجديد الذي جعل الاتفاق في الوقت الحالي أبعد من المنال، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف المحادثات السرية. وكانت المفاوضات قد تعثرت بالفعل بسبب المطالب التي قدمها نتنياهو قبل عدة أسابيع.
كان الطرفان قد اتفقا مبدئياً على أن إسرائيل سوف تطلق سراح المسلحين الفلسطينيين الذين يقضون عقوبة السجن المؤبد في وقت معين في مقابل إطلاق حماس سراح الجنود الإسرائيليين. لكن هذا الأسبوع، قالت حماس إن من الضروري أيضاً تبادل الرهائن المدنيين بهؤلاء السجناء المحتجزين منذ فترة طويلة، وهي الفكرة التي وصفها المسؤول بأنها «حبة سامة».
أسئلة مزعجة
وبحسب «واشنطن بوست»، فإن السؤال الأكبر والأكثر إزعاجاً الذي يخيم على المحادثات هو عدد الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة من بين نحو مائة رهينة في غزة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، عثر على جثث ستة رهائن، الأمر الذي أشعل فتيل مظاهرات حاشدة في إسرائيل ضد نتنياهو، الذي يعتقد العديد من الإسرائيليين أنه لا يبذل جهداً كافياً للتوصل إلى اتفاق.
ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن عددًا من الرهائن الأمريكيين السبعة المتبقين في غزة ما زالوا على قيد الحياة ويمكن إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من صفقة مكونة من ثلاثة أجزاء، وفقًا للمسؤول الأمريكي، إلى جانب «عدد كبير» من الرهائن الأحياء.
وعلى الرغم من مفهومهم لعرض «خذها أو اتركها»، قال مسؤولو بايدن إنهم سيواصلون العمل نحو التوصل إلى صفقة طالما يعتقدون أن لها فرصة ضئيلة.
مطالب بفرض ضغوط
ويريد بعض مستشاري بايدن منه أن يفرض المزيد من الضغوط على نتنياهو، الذي اتهمه حتى المسؤولون الإسرائيليون بتخريب المفاوضات.
وكان هناك نقاش داخل البيت الأبيض حول ما إذا كان ينبغي استدعاء نتنياهو علنًا باعتباره عقبة رئيسية أمام الاتفاق، لكن هذا أقل احتمالًا بعد أن أعدمت حماس الرهائن الستة، وفقًا لعدة أشخاص مطلعين على المناقشات.
وفي إسرائيل، بلغ الغضب الذي كان يتصاعد منذ فترة طويلة تجاه نتنياهو ذروته هذا الأسبوع عندما استعاد الجيش الإسرائيلي جثث الرهائن الستة، الذين قالت إنهم أعدموا على يد خاطفيهم من حماس قبل وقت قصير من اكتشاف جثثهم.
وكان ثلاثة على الأقل من الرهائن الإسرائيليين، بما في ذلك الإسرائيلي الأمريكي هيرش جولدبرج بولين، الذي فقد جزءًا من ذراعه اليسرى في هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على قائمة أولئك الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى.
واتهمت عائلات الرهائن، نتنياهو منذ أشهر بإعطاء الأولوية لبقائه السياسي على صفقة من شأنها إعادة أحبائهم إلى ديارهم. وقلب نتنياهو المحادثات في أواخر يوليو/تموز عندما قدم مجموعة جديدة من المطالب، بما في ذلك إصراره على بقاء القوات الإسرائيلية على الحدود الممتدة على طول ثمانية أميال بين غزة ومصر والمعروفة باسم ممر فيلادلفيا.
وتقول صحيفة «واشنطن بوست»، إن حرب غزة تفوقت على العام الأخير من رئاسة بايدن في كثير من النواحي، حيث خاض بايدن معارك خاصة وعلنية مع نتنياهو بشأن قضايا تتراوح من المساعدات الإنسانية إلى مقتل المدنيين.
وقال السيناتور كريس فان هولن (ديمقراطي من ماريلاند)، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن البيت الأبيض لم يفرض ضغوطًا كافية على نتنياهو. وعندما سُئل هذا الأسبوع عما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يبذل جهدًا كافيًا للتوصل إلى اتفاق، أجاب بايدن: لا. لكنه تجنب معاقبة نتنياهو، على سبيل المثال بفرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل.
وقال فان هولن: من خلال عدم انتقاد تعنت رئيس الوزراء نتنياهو، فقد أعطوه غطاء سياسيا لمواصلة المماطلة. إنه لغز بالنسبة لي لماذا لا تنتقده الإدارة بشكل أكثر وضوحا، عندما تعرف عائلات الرهائن أنفسهم مدى العائق الذي كان يشكله.
انتكاسة
وبحسب «واشنطن بوست»، فإن الانتكاسة الأخيرة التي لحقت بمحادثات وقف إطلاق النار كانت تتويجاً لعملية بدأت على الفور تقريباً بعد توقف القتال لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، والذي شهد زيادة في المساعدات الإنسانية إلى غزة وإطلاق سراح أكثر من مائة رهينة.
وسرعان ما بدأت الإدارة في العمل على صفقة أخرى، وهي الصفقة التي كانت تأمل أن تستمر لفترة أطول وأن تمهد الطريق لإنهاء دائم للحرب.
وأشارت إلى أن تكاليف التأخير في التوصل لاتفاق وقف النار واضحة، فإلى جانب الرهائن الستة القتلى، قُتل نحو 4000 فلسطيني إضافي منذ طرح بايدن الاقتراح في مايو/أيار، وظهر شلل الأطفال في غزة لأول مرة منذ 25 عاما. واضطر سكان غزة إلى الانتقال إلى مناطق إنسانية أصغر فأصغر مع توقف تدفق الضروريات الأساسية أو عشوائيا في أفضل الأحوال.
وداخل البيت الأبيض، كان خبر مقتل الرهائن الستة ــ وخاصة جولدبرج بولين، الذي أصبح والداه، راشيل جولدبرج بولين وجون بولين، معروفين جيدا لدى بايدن وكبار مسؤوليه، الذين كان العديد منهم يتواصلون معهم بانتظام عبر الرسائل النصية أثناء استمرار المفاوضات ــ سببا في إضفاء طابع شخصي على تأثير الفشل في التوصل إلى اتفاق.
وتقول «واشنطن بوست»، إن المفاوضين يخشون بشكل متزايد أن يصبح الاتفاق بعيد المنال. ولم يتراجع نتنياهو عن موقفه بشأن ممر فيلادلفيا، على الرغم من الضغوط المتزايدة من جانب مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غمروا الشوارع للاحتجاج على موقفه.
وحتى إذا وافق نتنياهو على المرحلة الأولى من الاتفاق، فإن المفاوضين ليسوا على ثقة من أنه قد يقبل على الإطلاق الفقرة الثانية التي تتضمن إنهاء الحرب بشكل دائم.
وقال مسؤولون أمريكيون، إن المفاوضات مع حماس أثبتت أنها مرهقة أيضا؛ إذ لا يستطيع سوى زعيمها في غزة يحيى السنوار التوقيع نيابة عن المجموعة، ولا يزال من غير الواضح مدى دوافعه للتوصل إلى اتفاق.