في غزة.. القصف والاكتظاظ وجهان لموت واحد
بين مناطق خطرة وأخرى "آمنة" لكن مكتظة، يجد سكان غزة أنفسهم مجبرين على البقاء تحت القصف وإن كان الثمن أرواحهم.
فالاكتظاظ في المنطقة التي تسميها إسرائيل "آمنة" يثني أولئك الذين صدرت لهم أوامر الإخلاء من قبل الجيش الإسرائيلي عن المغادرة، وهو ما طالعته "العين الإخبارية" في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
تقول الصحيفة إن آلاف الأشخاص الذين يواجهون الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة اضطروا للتخلي عن خططهم للامتثال لأوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تأمرهم بالانتقال إلى "منطقة إنسانية آمنة" مخصصة لأنه لا يوجد مكان لهم هناك.
ونهاية الأسبوع، أبلغ الجيش الإسرائيلي سكان أحياء متعددة في مدينة دير البلح ومحيطها بوسط قطاع غزة بمغادرة منازلهم قبل الهجمات المخطط لها.
وأخطرتهم بالذهاب إلى الشريط الضيق من الساحل حول منطقة المواصي الصغيرة التي تم تحديدها في وقت سابق من الحرب، غربي خان يونس، لاستقبال النازحين.
«لا مساحات»
تقول نازحة تبلغ من العمر 34 عاما وتعيش مع 16 قريبا على حافة المنطقة الآمنة المخصصة: "حاول أعمامي ووالدي العثور على مكان جديد أكثر أمانا لنقل عائلتنا إليه، لكن جهودهم لم تنجح، بعد حيث تم احتلال جميع المساحات داخل المنطقة الآمنة".
وأضافت: "لقد فرت عائلتي من رفح إلى منطقة آمنة أخرى. الآن نعلم أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل".
وفي غضون ذلك، أكد مسؤولون يعملون في المجال الإنساني، أن الاكتظاظ في المنطقة "الإنسانية" كان يثني أولئك الذين صدرت لهم أوامر الإخلاء من قبل القوات الإسرائيلية عن المغادرة، رغم مخاطر البقاء.
وقال مسؤول من الأمم المتحدة مقيم في غزة: "لا توجد مساحة كافية والناس يعرفون ذلك، لذا فهم يبقون حيث هُم. لا يمكنك الحصول على خيام، لذا حتى لو وجدت مكانا، فسيكون من الصعب الحصول على أي مأوى، والظروف هناك مروعة".
وتابع: "يرفض بعض الناس الانتقال إلى المواصي لأنهم ببساطة لا يريدون مغادرة منازلهم، لكن معظمهم يرفضون لأنه لن يكون لديهم أي مكان للعيش فيه إذا ذهبوا إلى هناك".
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم تهجير الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة، غالبا عدة مرات، وتم وضع 86% من الأراضي تحت أوامر الإخلاء من قبل الجيش الإسرائيلي، وفقا للأمم المتحدة.
واكتظت منطقة المواصي بمئات الآلاف من النازحين منذ بداية الصراع، رغم عدم توفر الحد الأدنى من الخدمات الأساسية هناك.
فإمدادات المياه غير كافية، والصرف الصحي شبه معدوم، والرعاية الصحية بدائية، والأمراض المعدية في تزايد. وتخشى منظمات الإغاثة من تفشي أمراض مثل شلل الأطفال.
وفي نشرة أممية صدرت الإثنين الماضي، جاء أن الجيش الإسرائيلي أصدر منذ بداية الشهر الجاري، تسعة أوامر إخلاء أثّرت على ما يقدر بنحو 213 ألف شخص في جميع أنحاء قطاع غزة.
وذكرت النشرة أن سكان غزة، الذين كان عددهم 2.3 مليون نسمة قبل الحرب، "يتركزون بشكل متزايد" داخل المنطقة التي حددتها إسرائيل في المواصي، حيث يكتظ كل كيلومتر مربع بما يتراوح بين 30 و34 ألف شخص، مقارنة بنحو 1200 شخص لكل كيلومتر مربع قبل أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣.
ومنذ التخفيض الذي أمر به الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي، تقلصت مساحة المنطقة الإنسانية بمقدار الخُمس، إلى 40 كيلومترا مربعا - أي 11% فقط من قطاع غزة.
وقالت الأمم المتحدة إن "هذا التقليص في المساحة، إلى جانب الاكتظاظ، وانعدام الأمن المتزايد، والبنية الأساسية غير الكافية والمرهقة، والأعمال العدائية المستمرة، والخدمات المحدودة، يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المزري لمئات الآلاف من الناس الذين أُجبروا على العيش داخلها".
وبرر الجيش الإسرائيلي هذا التخفيض بـ"استخدام الجزء الشرقي من المنطقة لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل". على حد قوله.
والإثنين، استعاد الجيش الإسرائيلي جثث ستة رهائن محتجزين في غزة منذ بداية الصراع من نفق قال إنه "يقع تحت منطقة تم تحديدها سابقا كجزء من المنطقة الإنسانية".
باقون رغم القصف
في المقابل، أقنعت سلسلة من الغارات الجوية داخل المنطقة "الإنسانية" العديد من الأشخاص في قطاع غزة الذين تلقوا أوامر الإخلاء بأنهم أفضل حالا بالبقاء حيث هم.
وفي يوليو/تمور الماضي، شنت إسرائيل غارة قاتلة على منطقة المواصي قالت إنها استهدفت محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
لكن تلك الضربة أسفرت عن مقتل 92 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 300 آخرين، وفقا لأرقام وزارة الصحة في غزة.
وقال يوسف أبو طعيمة، من بلدة القرارة في خان يونس، وهو يستعد لنقل عائلته للمرة الرابعة بعد الأمر الإسرائيلي: "لا يوجد مكان آمن".
وفي بعض الحالات، لا يستطيع السكان الانتقال إلى المواصي، أو أي مكان آخر، لأنهم لا يملكون الوقود.
وهو ما لفتت إليه سهام بهجت، 24 عاما، قائلة إن عائلتها المكونة من ثمانية أفراد حاولت الفرار من الخيام على حافة المنطقة الإنسانية بعد ظهر يوم الإثنين بعد أن سمعوا إطلاق نار في مكان قريب.
واستطردت "لقد حملنا كل أغراضنا المهمة ولكننا لم نتمكن من الذهاب بعيدا لأننا نفدنا من البنزين، والذي كان من الصعب للغاية الحصول عليه لعدة أشهر، لذلك قررنا البقاء والنوم في الليل حيث كنا".
وحتى اليوم، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من أربعين ألف فلسطيني في قطاع غزة، وتدمير آلاف الوحدات السكنية بما في ذلك أحياء سكنية بالكامل.
aXA6IDEzLjU5LjEyNy42MyA= جزيرة ام اند امز