بعد نحو أسبوعين من اندلاع الصراع بين حركة حماس وإسرائيل، وتداعياته على العالم، دخل الرأي العام في دوامة الخلاف بين متعاطف مع طرف على حساب آخر.
والخلاصة أن من يدفع ثمن حماقة حماس والرد الإسرائيلي عليها هم الفلسطينيون، وهذا لا يبرر على الإطلاق استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة.
لا يوجد منتصر في الحروب عندما تسقط الشعوب ضحايا، وأين العدالة عندما لا يقرر الشعب الفلسطيني قرار الحرب، ويتخذ القرار من خارج الحدود؟! وكيف تحولت لغة حماس الإعلامية إلى المساواة في القدرات العسكرية مع إسرائيل؟، فما الفائدة من دغدغة عموم الشارع العربي والإسلامي؟ فسويعات من الفرحة تحولت إلى ألم استهداف شعب غزة الأعزل.
ولو فرضنا جدلا أن حماس استغلت حالة الانقسام السياسي الإسرائيلي، فماذا كانت النتيجة؟ فالواقع مغاير تماماً، فهجمات «طوفان الأقصى» وظفت سياسياً لإقامة حكومة وحدة وطنية بين حزب الليكود وأحزاب المعارضة، في سياق وحدة الصف لمواجهة حماس.
يتحدث قادة حماس عن التحضير للعملية بينما شعب غزة لا يملك الغذاء والدواء، فهل كان شغلهم الشاغل هو تخزين الأسلحة؟ وما هو النصر الذي تحدث عنه خالد مشعل مبتسما على شاشات التلفزيون من الخارج، بينما يستهدف ويُهجر الفلسطينيون في غزة؟!
لهذا ليس من حق حماس توريط الشعب الفلسطيني في حروب لن تجلب إلا الخراب والدمار، فجماعات الإسلام السياسي غير صالحة لتولي السلطة، فهي مجرد أدوات تستغل من قوى خارجية لتنفيذ أجندات سياسية، كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
الوضع الإنساني خطير في غزة بعد قطع إسرائيل الكهرباء والمياه، والدفع لتهجير نحو مليون شخص من الشمال إلى الجنوب باتجاه سيناء تمهيداً لغزو بري، ما يعكس نوايا إسرائيلية لإنشاء منطقة عازلة لحماية الحدود، في وضعية مشابهة نسبياً لملف اللاجئين السوريين.
ويُحسب للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتخاذه موقفاً صارماً لحماية الأمن القومي المصري، لمنع تصدير الأزمة إلى مصر، ما قد يجعل سيناء منطلقاً لهجمات الفصائل الفلسطينية، والتاريخ يؤكد أن الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل في أعوام 1948 و1967، خرجوا من بيوتهم إلى العديد من العواصم العربية، ولم يعودوا إلى الآن.
إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواجه تحديات صعبة، فهو من جانب يسعى لإظهار دعمه لإسرائيل، وفي نفس الوقت إرضاء شركائه العرب؛ فتوسع الصراع بدخول إيران وأدواتها الأخرى إلى الحرب، ستجبر الولايات المتحدة على التدخل عسكرياً.
وينصب اهتمام المجتمع الدولي في الوقت الراهن على دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وقد يكون اهتمام الغرب بهذا الملف محاولة لرفع الحرج عن دعم عمليات إسرائيل العسكرية، فلا يمكن اختزال الأزمة في الوضع الإنساني فحسب، دون التطرق إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، بخلاف تحركات قادة الدول العربية المحورية التي تنظر إلى الحرب من كافة جوانبها السياسية والعسكرية والإنسانية، ما يعكس عقلانية صادقة للقادة العرب، فلا يمكن فصل القضية الفلسطينية من ثوابتها التاريخية، وتحويلها لملف إنساني فقط.
وفي ظل تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط، سيكون دور روسيا والصين لافتاً، فموسكو تأمل أن تصرف الحرب في غزة الأنظار عن الحرب الروسية الأوكرانية، ما سيضعف الدعم الغربي لكييف، بينما ستسعى بكين لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية عبر استغلال علاقتها بإيران (داعمة حماس) لتهدئة الحرب.
جسور السلام ستجعل الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني يعيشان بأمن واستقرار، وستعيد لشعب فلسطين الكرامة والعدالة، ولقد أسهمت اتفاقيات السلام مع إسرائيل في بناء جسور مهمة، لو استغلت لما وصلنا إلى هذا الصراع المرير، بسبب عدم تماهي إيران وأدواتها مع توجهات المنطقة الساعية إلى السلام والتنمية.
برزت التحركات الإماراتية الفاعلة منذ بداية الأزمة عبر مجلس الأمن، ومشاركة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قمة القاهرة للسلام، وكانت مصداقية دولة الإمارات وثوابتها حاضرة في بياناتها ومواقفها، مع تحديد الخطوات العاجلة بشأن الحرب في غزة، والتي ركزت على الدعم الإنساني من خلال ضمان ممرات إنسانية آمنة ومستقرة، وحماية المدنيين من خلال وقف إطلاق النار وتفادي توسع الصراع، وإيجاد أفق للسلام الشامل.
مواقف دولة الإمارات تؤكد وقوفها مع الشعب الفلسطيني في أوقات الشدة، سواء قبل أو بعد السلام مع إسرائيل، فالصراخ العالي لن يخدم الفلسطينيين، والدول الصادقة تتبين مواقفها بأفعالها عند الأوقات الصعبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة