ستظل القضية السورية بكل تطوراتها الراهنة والمحتملة أهم تسوية ممكنة ومحتملة في ظل التطورات الإيجابية
سيظل الشرق الأوسط إقليماً مضطرباً غير مستقر أو آمن طوال العام الجديد، خاصة أن أغلب دوله تعاني من حالة من التغلغل الخارجي، واستمرار حالة السيولة السياسية على مستويات عدة، مما يعني أننا سنكون أمام تطورات مفصلية تبدو مع بدايات العام هيكلية ومؤثرة بصورة كبيرة، خاصة أن حالة الصراعات الداخلية في دول الإقليم تتباين، وتتفاوت حدتها من حالة لأخرى، مما يؤكد أننا سنكون أمام السيناريوهات كافة التي ستعلن عن نفسها طوال الفترة المقبلة.
سيبقى العام الجديد عام التحديات الصعبة والمخاطر المستمرة، ولن يكون فقط عام التسويات المقترحة والسهلة والقابلة للتغيير في مناخ سياسي مختلف يمكن البناء عليه، وفي ظل تحديات ربما تحتاج إلى آليات أخرى مختلفة في التعامل، ومن ثم فإن المضي قدماً في تنفيذ أية تسويات سيرتبط بمصالح سياسية واستراتيجية متعددة
أولا: ستظل القضية السورية بكل تطوراتها الراهنة والمحتملة أهم تسوية ممكنة ومحتملة في ظل التطورات الإيجابية المتعلقة بمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، والذي تم تأجيله لمدة 4 أشهر، وتقرير الوضع السياسي الكامل في الفترة المقبلة بصرف النظر عن طبيعة الدور المرتقب لتركيا في الأزمة السورية وما يمكن أن تقوم به، خاصة أن نظرية ملء الفراغ ستظل مطروحة، ويمكن أن تكون مدخلاً حقيقياً للتسوية التي ستتم في غضون عدة أشهر من العام الجديد، وعلى أساس إعادة تعويم النظام السوري بصورة كاملة، سواء على المستوي العربي العربي أو العربي الدولي، وهو ما سيعطي للدول العربية الفرصة لإعادة فتح سفاراتها تباعاً مثلما تم بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ودول أخرى عربية، إضافة لاستقبال القاهرة مسئولاً أمنياً سورياً كبيراً، وهو ما سيعطي الفرصة للقيام بدور جديد في الفترة المقبلة يمكن أن يكون مدخلاً لمرحلة جديدة، قوامها إعادة التعامل مع النظام السوري بعد أن عاد مسيطراً على ربوع الوطن السوري بأكمله، وتجاوز فكرة البقاء في إطار سوريا المفيدة التي كانت هدفها في مرحلة معينة حفاظاً على نظامه السياسي الراهن، واليوم تغيرت قواعد اللعبة تماماً.
ثانياً: ستظل المسألة اليمنية هي الأخرى من التسويات الراهنة المحتملة، خاصة أن التطورات الخاصة بالتسوية ستنطلق من استراتيجية الأمر الواقع، وفي ظل توافقات حقيقية لن تقتصر على بنود ما جرى في السويد فقط، وإنما بتنفيذ ما سيتم تطبيقه فعلياً في الفترة المقبلة، ومن خلال استراتيجية العمل معاً، وهو ما يشير إلى أننا أمام مسار طويل وممتد، تزامناً مع وصول بعثة المراقبة الأممية التي يقودها الجنرال الهولندي المتقاعد "باتريك كاميرت" لبحث سبل تأمين تنفيذ الهدنة، وتوفير الدعم لإدارة الموانئ مع المسؤولين في كل من صنعاء وعدن ومحافظة الحديدة، ويذكر أن ذلك التحرك جاء بعد دعم مجلس الأمن لما توصلت له مفاوضات السويد من خلال الموافقة بالإجماع على قرار رقم "2451" الذي طالب فيه الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" بتقديم مقترحات بنهاية الشهر الجاري لدعم الوجود الأممي في الحديدة وتأمين اتفاق وقف إطلاق النار، فضلًا عن تقديمه تقريراً أسبوعياً بشأن تطبيق الهدنة، وفي كل الأحوال وبعيداً عن مناخ الشد والجذب والتفاصيل الراهنة والمقترحة فإن التسوية قادمة في اليمن ومن خلال رؤية ربما أكثر تركيزاً وانفتاحاً، وفي ظل الرهان على أن اليمن كدولة في حاجة لإعادة تأهيل، وإعمار وتقديم مساعدات إنسانية ستشارك فيها دول ومؤسسات ومنظمات مانحة، وهذا هو الاختبار الحقيقي للتسوية القادمة.
ثالثاً: ستبقى الأزمة الليبية أيضاً مرشحة للتفاعل في ظل الواقع الراهن والممتد، خاصة مع وجود فرص للتحرك لتسوية نهائية، أو العمل من خلال مقاربات سياسية أو استراتيجية تلوح في الأفق، خاصة أن الملف الليبي مثقل بكثير من التفاصيل الحقيقية التي يمكن أن تعلن عن نفسها في الفترة المقبلة، في ظل انتقال تحديد المسار التوافقي من مصر ودول الجوار إلى النطاق الأوروبي، ثم عودة للتركيز على الإطار متعدد الأطراف، ومن ثم فإن مرحلة ما بعد انعقاد مؤتمر باليرمو ستعطي القناعات السياسية والاستراتيجية لضرورة التوصل لحل حقيقي، في ظل ما يجري من محاولات لرأب الصدع في الداخل بعد تجاوز خلافات السراج/حفتر لدائرة أكبر من التباينات، والتي قد تؤدي إلى كثير من السيناريوهات الحقيقية التي ربما تعلن عن نفسها في الفترة المقبلة، وهو ما قد يعطي أيضاً مصداقية لتحركات حقيقية في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، مع استمرار اقتناع دول مثل مصر وإيطاليا بضرورة التوصل لحل سياسي شامل ينزع حالة الاحتقان، والصراع مع العمل على تقديم رؤية ومقاربة سياسية حقيقية لحل سياسي مقبول ومتراض عنه من قبل الجانبين، خاصة أن استمرار حالة المواجهة ليس في مصلحة أي طرف، ومن ثم فإن الدخول في مفاوضات نهائية سيتطلب مراجعة مباشرة للمواقف والتوجهات، وبناء شراكات أكثر تأثيراً وحضوراً حقيقياً، وهو ما تدركه الأطراف المعنية المباشرة، والتي ربما ستستمر في التجاذب لتحقيق أهدافها السياسية بالكامل، وهو أمر صعب في ظل المشهد الراهن بكل تطوراته السياسية المعقدة.
رابعاً: تبقى الأزمة الفلسطينية على موقعها الحالي؛ حيث لا تلوح في الأفق أي فرصة للحل أو تفكيك عناصر الأزمة، سواء على مستوى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية من جانب والعلاقات الفلسطينية الفلسطينية من جانب آخر، وهو ما يعطي دلالات باستمرار المشهد الراهن على حاله لجملة من الأسباب، أهمها ارتباك الإدارة الأمريكية وعدم وجود رؤية حقيقية في العمل، أو الطرح من خلال تفاهمات قابلة للاستمرار على الأقل في المدى المنظور، خاصة أن تفاصيل صفقة القرن لم تطرح بعد، وما زال الخبراء في شؤون الشرق الأوسط يعملون على صياغات بديلة، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية لن تبادر بطرح في ظل اقتراب موعد إجراء الانتخابات التأهيلية على مستوى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مما يؤكد أن المقترحات الأمريكية مؤجلة بعض الوقت، مما قد يؤدي إلى مزيد من التأزم السياسي الراهن، ويقلل من فرص التقابل على أرضية حقيقية.
والمؤكد أن الجانب الإسرائيلي سيعمل على استثمار المشهد الراهن لتحقيق مكاسبه السياسية والاستراتيجية من خلال الاستمرار في مخطط التهويد في القدس بالكامل، ولعل إعلانه عن خطة 2050 ما يؤكد هذا الأمر، بل يدفع بقوة إلى تبني الخيار الانفرادي، سواء في ملف القدس أو تصفية أزمة اللاجئين من خلال إنهاء دور الوكالة الدولية "الأونروا" في قطاع غزة بعد تقليص المخصصات الداعمة لها، والعمل على استكمال مخطط بناء آلاف الوحدات السكنية في إطار مخطط مجلس المستوطنات القومي للعام الجديد.
والمؤكد أن استمرار حالة الانقسام الواضح بين الفصلين الكبيرين "حماس وفتح" يعطي الفرصة للجانب الإسرائيلي في الاستمرار في استكمال هذا المخطط الكبير، والذي سيتشعب في كل الاتجاهات، خاصة أن إسرائيل تتأهب لكل الخيارات بما فيها العمل بصورة شاملة، منها الاتجاه لاختبار كل الأطراف، سواء في سوريا حيث الضربات المتتالية على مواقع سورية وقوات حزب الله والحرس الثوري، أو التركيز على تنفيذ درع الشمال في إطار درء التهديدات الراهنة التي يطرحها الحزب الذي يمتلك قدرات صاروخية هائلة.
خامساً: ستظل مسألة الأمن الإقليمي ودور الدول العربية أحد الخيارات والملفات المطروحة بقوة، وهو ما يشير إلى تبعيات تتعلق بالموقف الأمريكي تحديداً، ومدى ما يمكن أن يرتبط بفكرة إقامة الناتو العربي، والتخطيط لمواجهة الأزمات في الإقليم، ومنها على سبيل مواجهة التحديات الإيرانية التي تهدد دول الإقليم، وتعمل على هز استقراره، ومن ثم فإن أي طرح قائم على مستوى العلاقات العربية الأمريكية يمضي في هذا السياق، بل يؤكد حاجة الدول العربية إلى الخروج من صيغ جماعية خارجية إلى صيغ سياسية حقيقية للتعاون العربي الأمريكي الجيد، وهو ما يمكن أن يكون مدخلاً حقيقياً لكثير من الأمور التي ستتم في الفترة المقبلة، على اعتبار أن الناتو العربي لن يكون البديل للتحالف العربي العربي الذي يمكن أن يؤسس فعلياً على أسس ومرتكزات حقيقية، منها ما هو متعارف عليه ومنها ما سيتم استحداثه.
ولعل هذا الأمر يترجم في فكرة التعاون العسكري العربي العربي، والذي يعد التحالف على أسسه مدخلاً توافقياً يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة، وهو ما سيعطي الرؤية لتكامل وتوحد عقائد الجيوش العربية بصورة غير مباشرة، وهو ما يجري فعلياً في النظر إلى التدريبات والمناورات المصرية الخليجية مؤخراً، والتي تترجم أفكار "مسافة السكة" على أسس ومعطيات راسخة، يمكن من خلالها تحقيق كثير من الأمور في الفترة المقبلة بصرف النظر عن التوصل لحالة من الاستقرار أو عدم الاستقرار في الإقليم بأكمله، وهو ما تدركه دول مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل جيداً؛ حيث البدائل التي تعلن عن نفسها في إطار من السيناريوهات السياسية والاستراتيجية الكبيرة التي يمكن الوصول إليها عبر رؤى أكثر واقعية.
سيبقى العام الجديد عام التحديات الصعبة والمخاطر المستمرة ولن يكون فقط عام التسويات المقترحة والسهلة والقابلة للتغيير في مناخ سياسي مختلف يمكن البناء عليه، وفي ظل تحديات ربما تحتاج إلى آليات أخرى مختلفة في التعامل، ومن ثم فإن المضي قدماً في تنفيذ أية تسويات سيرتبط بمصالح سياسية واستراتيجية متعددة، ومن خلال توافقات حقيقية يمكن العمل من خلالها، وهو ما سيدفع بالتوصل إلى تسوية حقيقية ظروفها قائمة في الملف السوري على سبيل المثال، وتأجيل النظر في إقرار تسوية كاملة أو حتى منقوصة في الملف الليبي، كما أن تسوية ممكنة وقائمة في الملف اليمني ستكون مرشحة بقوة.
العام الجديد 2019 سيكون عاماً صعباً على الإقليم بأكمله، ونحن كدول وحكومات عربية علينا التأهب والاستعداد وطرح البدائل والخيارات، وعدم الاكتفاء بسياسة رد الفعل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة