قانون «العملاء» يضع جورجيا على مفترق طرق.. بروكسل أم روسيا البيضاء؟
بيلاروسيا أم محور بروكسل؟ مفترق طرق وجدت جورجيا نفسها في قلبه، إثر تصاعد حدة التوترات في البلاد، بسبب قانون "العملاء الأجانب".
والسبت، أعلنت رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي أنها استخدمت حق النقض ضد القانون المثير للجدل، مضيفة في خطاب متلفز: "اليوم.. أستخدم حق النقض (..) ضد القانون الذي هو روسي في جوهره، الذي يتعارض مع دستورنا".
لكنّ القانون سيعود بعد الفيتو الرئاسي إلى البرلمان الذي قد يمرره بأغلبية الثلثين، ليجعله نافذا، رغم القلاقل الاجتماعية والمعارضة الضخمة التي أثارها.
في حادثة علنية، تعرض جيا جاباريدزه، المعارض والمحاضر والدبلوماسي السابق (50 عاماً)، لكمين بالقرب من منزله في العاصمة تبليسي، مساء 8 مايو/أيار الجاري.
جاباريدزه قال إن المعتدين كانوا عدة أشخاص يحملون العصي، ويعتقد أنه مضرب بيسبول، وتسببوا له في ارتجاج في المخ وتلقى كدمات عميقة في ظهره، كما احتاج إلى غرز، وفقا لمجلة "بوليتيكو".
وقال "لقد ولدت في الاتحاد السوفياتي، لم أكن خائفاً من الشيوعيين، لا يمكنهم إخافتي أيضا"، واتهم الحكومة بالوقوف وراء الحادث قائلا: "ليس لدي أي شك.. أعرف أن الحكومة كانت وراء ذلك".
ووفقا لبوليتيكو، أوضح مهاجموه أنهم كانوا يستهدفونه بسبب معارضته العلنية القانون الجديد الذي تقول المعارضة إنه يصدر وفق النمط الروسي، ومعروف بقانون "العملاء الأجانب"، ووافق عليه البرلمان الجورجي يوم الثلاثاء الماضي.
ويخشى منتقدو القانون الجديد أن تستخدمه الحكومة لقمع وسائل الإعلام والمعارضة والمجتمع المدني في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 3.7 مليون نسمة.
واحتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع، خلال الأسابيع الماضية، غاضبين من أن حكومتهم "تبدو عازمة على تقويض فرص البلاد في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
ومن جانبها، كانت بروكسل تخشى أن يسبق تنفيذ القانون الجديد حملة قمع وحشية ضد المعارضة، لكن أعمال العنف والترهيب ضد المعارضة تتصاعد بالفعل، حتى قبل أن يدخل القانون حيز التنفيذ.
وفي حديثه لمجلة بوليتيكو خلال احتجاج يوم الثلاثاء، قال شقيق جاباريدز، السياسي المعارض زوراب جاباريدزه، إنه "لن يستسلم للعنف لأن المستقبل الديمقراطي للبلاد على المحك".
وأردف: "يمكننا أن نكون إما على الطريق المؤدي إلى أوروبا وإما على الطريق إلى بيلاروسيا الموالية بالكامل لموسكو".
وأضاف زوراب جاباريدزه أيضا أن مجموعة من الرجال حاولت مهاجمته في ثلاث مناسبات، منذ أن بدأ قانون العملاء الأجانب في إثارة القلاقل، وفي أثناء إحدى المحاولات أطلق النار من مسدس في الهواء لردع مهاجميه.
وفي حادث آخر، تعرض ديميتري تشيكوفاني، عضو حزب الحركة الوطنية المتحدة المعارض، لهجوم من قبل مجموعة من الرجال المجهولين بالقرب من منزله في 8 مايو/أيار الجاري، وهي نفس ليلة الهجوم على جيا جاباريدزه.
وتظهر لقطات كاميرات المراقبة خمسة رجال يضربونه بلا هوادة أثناء خروجه من سيارته، وانتهى به الأمر في المستشفى مصابًا بجروح متعددة في وجهه وجسده.
وألقى شيكوفاني باللوم على حزب الحلم الجورجي الحاكم، الذي يشغل منصب رئيسه الفخري بيدزينا إيفانيشفيلي، وهو رئيس وزراء جورجيا سابقا.
وأضاف أن "المهاجمين ووزارة الداخلية يخدمان السيد نفسه"، مضيفاً أنه على الرغم من بدء تحقيق رسمي فإنه متأكد من أن الشرطة لن تأخذ قضيته على محمل الجد.
تهديدات
وتنوعت المخاطر بين محاولات التعدي الجسدي والتهديدات، إذ تلقت نينو زورياشفيلي، مؤسسة الموقع الاستقصائي "ستوديو مونيتور"، إحدى المؤسسات التي تواجه الوصف بأنها عميل أجنبي، تهديدا هاتفيا الأسبوع الماضي من رقم غير معروف.
المتصل أهان زورياشفيلي بسبب معارضتها مشروع القانون، كما قال العشرات من المتظاهرين والناشطين البارزين إنهم واجهوا تهديدات مماثلة.
وبعد بضعة أيام، وصلت زورياشفيلي إلى مكتبها واستقبلتها عشرات المنشورات مطبوعا عليها وجهها وملصقة على الجدران بالخارج.
واتهمتها المنشورات بأنها "عميلة بيعت مقابل المال"، ووصفت الموقع الاستقصائي بأنه "وكالة مناهضة لجورجيا"، كما عثرت على ملصقات مماثلة بالقرب من منزلها، وتعرضت سيارتها للتخريب.
وعلقت زورياشفيلي "لقد جعلني ذلك أدرك أنني كنت على حق طول الوقت. الحكومة تخلق مجموعات لقمعنا. نحن نستيقظ في روسيا، سنخوض هذه الحرب حتى النهاية، جورجيا لن تصبح روسيا".
وفي يوم الثلاثاء، عندما صوت البرلمان الجورجي بأغلبية 84 صوتا مقابل 30 لصالح مشروع القانون، تجمع الآلاف خارج المجلس التشريعي في وسط تبليسي للتظاهر.
وفرقت شرطة مكافحة الشغب الحشود بخراطيم المياه والأسلحة الصوتية، واعتقلت السلطات العشرات، واستخدمت الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين السلميين، واتُهمت بضرب المعتقلين.
وعلى حافة المسيرة، هاجم عدد من الرجال الذين يرتدون أقنعة سوداء الصحفيين والمارة، والتقطوا صوراً للحاضرين في محاولة واضحة لترهيبهم.
تمسك حزبي
ومن خلال استقطاب أنصاره المحافظين، وتجاهل انتقادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يقول الحزب الحاكم إن القانون الجديد ضروري لمنع النفوذ الأجنبي من تقويض القيم التقليدية.
وزعم وزير العدل راتي بريجادزه أن المتظاهرين المؤيدين للاتحاد الأوروبي أنفسهم هم المسؤولون عن تنفيذ الاعتداءات ضد أنصارهم.
وقال: "إذا كان أي شخص يستفيد من مثل هذه الفوضى فهم الأشخاص الذين يقفون وراء هؤلاء المتظاهرين".
وفي الوقت نفسه، هدد رئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي بقمع المتظاهرين، معلنا عن خطط لإنشاء قاعدة بيانات لأولئك الذي يقول إنهم "متورطون في أعمال عنف وأنشطة غير قانونية والترهيب والابتزاز".
كما سيتم نشر قاعدة البيانات على الإنترنت لتسمية وفضح المتهمين بارتكاب التجاوزات، في خطوة أخرى.