جورجيا ميلوني... الصوت الأوروبي الذي يفهم «مزاج» ترامب

لم تستغرق رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، سوى جملتين فقط في المكتب البيضاوي، لتؤكد لمضيفها أنها ليست ضيفا عابرا، بل روحا سياسية قريبة.
وبلغة إنجليزية واثقة، استخدمت ميلوني بعض المصطلحات المفضلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لوصف معركتها ضد ما يرونه "مُثُلًا تقدمية مُنفلتة"، بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في موقع شبكة "سي إن إن".
وقالت ميلوني: "نحن نتشارك معركة أخرى، وهي المعركة ضد أيديولوجية الوعي والإنصاف والتنوع والشمول التي تسعى لمحو تاريخنا".
بهذا التصريح، ترى "سي إن إن"، أن رئيسة الوزراء الإيطالية "لم تترك مجالا للشك في أنها تختلف تماما عن قادة أوروبا التقليديين الذين جلسوا في هذا المكان نفسه خلال الأشهر الماضية".
بل بدت وكأنها دخلت إلى البيت الأبيض لتعزز موقعها كهمزة وصل نادرة بين اليمين الشعبوي في أوروبا ونظيره في أمريكا.
همزة وصل
على عكس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -الذي انتهت زيارته للمكتب البيضاوي في فبراير/شباط الماضي، بكارثة صاخبة- "لم تكن ميلوني في البيت الأبيض لإقناع الرئيس باتباع مسار معين فيما يتعلق بأوكرانيا أو لمحاولة تصحيح آرائه بشأن الدعم المالي الأوروبي".
قبل زيارتها، وصف أحد مساعدي ترامب ميلوني بأنها قناة اتصال لأوروبا، ويمكنها أن تكون وسيطا لبقية القارة.
وقال المسؤول: "نعتبرها بالتأكيد محاورا قيّما مع الاتحاد الأوروبي".
وميلوني نفسها، صرحت قبل وصولها إلى واشنطن، بأنها تفهم جيدا التوقعات من زيارتها.
وقالت مازحة إنها لم تشعر بأي ضغط من المخاطر الكبيرة: "أنا على دراية بما أمثله، وأدرك ما أدافع عنه".
وقبيل اجتماعهما، صرح ترامب: "الجميع يحبها ويحترمها. لا أستطيع قول ذلك عن كثيرين".
علاقة مميزة
وتقول الشبكة الأمريكية إن "ميلوني، الشعبوية والمحافظة والسياسية البارعة، جذبت انتباه ترامب ومستشاريه. وكانت الزعيمة الوحيدة من أوروبا التي حضرت حفل تنصيبه في يناير/كانون الثاني الماضي".
كما أنها تحظى بعلاقة ودية مع مستشاره الأقوى، الملياردير إيلون ماسك. وقد تبنّت نفس الموقف المناهض للهجرة الذي ساهم في عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
ومثل رئيس السلفادور نجيب بوكيلة، وهو حليف آخر يشاركه الرأي، زار البيت الأبيض هذا الأسبوع، بدا أن ميلوني تدرك تماما ما يجب أن تقوله لتعبر عن ثقتها بشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".
وقالت: "هدفي هو جعل الغرب عظيما مجددا. وأعتقد أننا نستطيع تحقيق ذلك معا".
ولفتت "سي إن إن" إلى علاقة ميلوني المتوازنة بين واشنطن وبروكسل التي تعتبر نقطة قوتها، إذ تحافظ على خطوط مفتوحة مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وحتى مع أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، رغم ما بين الأخيرة وترامب من برود شديد وصل إلى حد انقطاع اللقاءات.
هل تنقذ ميلوني أوروبا من رسوم ترامب؟
ووفقا لمسؤولين أوروبيين تحدثوا مع "سي إن إن"، نسقت ميلوني بشكل وثيق مع فون دير لاين قبل سفرها إلى واشنطن.
ومع ذلك، فإن قدرتها على تأمين إعفاء من الرسوم الجمركية البالغة 20% التي هدد ترامب بفرضها على الاتحاد الأوروبي محدودة، إذ يجب التفاوض على أي اتفاق تجاري جديد بين واشنطن ومسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل. وفق المصدر.
وفي الوقت الذي لا تُعد فيه أوروبا أولوية عند ترامب -بل طالما انتقدها بوصفها "تتلاعب" بالولايات المتحدة في ملفات التجارة والدفاع- تقدم ميلوني نفسها كاستثناء.
ففي مقابلتها العلنية معه، قالت بكل وضوح: "هدفي هو أن أجعل الغرب عظيما من جديد، وأعتقد أننا نستطيع تحقيق ذلك معا".
وفي هذا الصدد، اعتبرت "سي إن إن" أن "وجود قائد في روما يشارك ترامب عداءه للمُثُل الليبرالية يمثل فرصة ملائمة للرئيس الأمريكي في وقت وصلت فيه العلاقات عبر الأطلسي إلى نقطة الانهيار".
"الحنكة" السياسية
عندما بدأ ترامب بالهجوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال اجتماعه مع ميلوني، مشيرا إلى أنه "ليس من أشد المعجبين" به، اختارت رئيسة الوزراء الإيطالية عدم التدخل.
وبينما وصفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الغازي" في أثناء إجابتها عن سؤال باللغة الإيطالية حول المسؤول عن الحرب، قاطعت مترجمها في منتصف الجملة قبل أن يُقرأ البيان بصوت عالٍ باللغة الإنجليزية ليسمعه ترامب.
قالت للمترجم: "سأفعل ذلك"، ثم استطردت بالإنجليزية تروي ما قالته للتو عن زيادة الإنفاق الدفاعي الإيطالي، لكنها تخطت إجابتها بشأن بوتين.
لحظةٌ وصفتها الشبكة الأمريكية بأنها "لم تكن عفوية، بل تجلٍ لحنكة سياسية تدرك متى تتحدث ومتى تصمت".
aXA6IDE4LjExOC4xODYuMjUxIA== جزيرة ام اند امز