«الحلم» يتغلغل بـ«واقع» جورجيا.. حزب «التحولات الكبرى»

"الحلم الجورجي" ليس شعارا لوصف وضعية البلد الأوروبي على طريقة المقولة الشهيرة بأمريكا، بل حزب تحول لحقيقة ورقم صعب خلال 12 عاما.

ووفق النتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية في جورجيا، أمس، حصد حزب "الحلم الجورجي" الحاكم 54.08% من الأصوات مقابل 37.58% للائتلاف المؤيد لأوروبا، في الانتخابات التشريعية.

وبينما رحب الحزب الحاكم بهذه النتائج، قائلا "كما أظهرت النتائج المعلنة من اللجنة الانتخابية المركزية، ضمن حزب الحلم الجورجي أغلبية كبيرة" في البرلمان الجديد، رفضت أحزاب المعارضة هذه النتائج ووصفتها بـ"المزورة".

وبعد أشهر طويلة من الاضطراب في جورجيا، خاصة على خلفية تمرير قانون "التدخل الأجنبي"  في مايو/أيار الماضي، والذي وصف بأنه يهدف لقمع للمعارضين، لا تبدو البلاد أقرب إلى الهدوء بعد الانتخابات التشريعية، ما يركز الأضواء على حزب "الحلم" الحاكم، وما يمكن أن يفعله في الفترة المقبلة. 

قصة التأسيس

تأسس حزب الحلم الجورجي (الاسم الرسمي: الحلم الجورجي - جورجيا الديمقراطية) في ربيع عام 2012 على يد أغنى رجل في جورجيا، بيدزينا إيفانيشفيلي، الذي جمع ثروته في روسيا في التسعينيات.

وعند عودته إلى جورجيا، أعلن إيفانيشفيلي تصفية جميع مصالحه الروسية، لكن المعارضة لا تزال تتهمه بالحفاظ على علاقاته التجارية معها.

وظل إيفانيشفيلي زعيمًا بلا منازع لحزب الحلم الجورجي وصانع القرار الوحيد فيما يتعلق بالترشيحات الرئيسية، على الرغم من انسحابه رسميًا من السياسة في مرحلة ما.

وخلال فترة انسحابه من السياسة، قاد الحزب (والبلاد) ”من وراء الكواليس“. ومع ذلك، في الانتخابات الأخيرة، عاد لصدارة قائمة حزب الحلم الجورجي للمرة الأولى، ما سلط الضوء على أهمية هذه الانتخابات لكل من الحزب ومستقبل جورجيا.

صعود سريع

حزب الحلم الجورجي ولد كبيرا، إذ فاز بأول انتخابات في عام تأسيسه. وساهمت عدة عوامل في أول فوز انتخابي للحزب في 2012، أبرزها ثروة إيفانيشفيلي التي مكنته من بناء الحزب في 6 أشهر فقط، بحسب مركز الدراسات الشرقية في وارسو.

لكن كان العامل الحاسم الآخر هو سئم الشعب المتزايد من حكم الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي الذي استمر قرابة عقد من الزمن، وأصبح استبداديًا بشكل متزايد.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في صعود "الحلم الجورجي" هو بيانه السياسي. في البداية، لم يرفض إنجازات معسكر ساكاشفيلي وتعهّد بمواصلة المبادئ الرئيسية لسياساته التي تضمنت تعزيز العلاقات مع الغرب وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية، وإن كان ذلك مع بعض التعديلات الهامة.

ومع ذلك، عارض الحزب الرأسمالية غير المقيدة، والطبقية الاجتماعية، والرفض العشوائي للإرث السوفياتي، والتبعية غير المشروطة لبروكسل وواشنطن، والتغريب الشامل، لا سيما فيما يتعلق بالقيم الأخلاقية والثقافية.

وانعكست هذه المواقف أيضًا في مبادرات إيفانيشفيلي الخيرية، بما في ذلك دعمه للكنيسة الأرثوذكسية الجورجية، ما ساهم في شعبية الحزب خاصة بين المتدينين. 

شارك ”الحلم الجورجي“ في انتخابات عام 2012 كجزء من ائتلاف واسع ضمّ أحزاباً شكّلها سياسيون كانوا محسوبين سابقاً على ساكاشفيلي. وكان الهدف من ذلك، طمأنة الحكومات الغربية والجمهور الجورجي بأنه لن يكون هناك تحول جوهري في مسار التنمية في البلاد.

وفي حكومة الحلم الجورجي الأولى، عُيّن إيراكلي ألاسانيا، الذي عمل سفيرًا لدى الأمم المتحدة في عهد ساكاشفيلي، نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للدفاع، ثم أصبح بيدزينا إيفانيشفيلي رئيسًا للوزراء وشغل المنصب لمدة عام.

واستقال الأخير من منصبه بعد انتهاء ولاية ساكاشفيلي (غادر الرئيس البلاد)، وفوز مرشح حزب الحلم الجورجي جيورجي مارغفيلاشفيلي في الانتخابات الرئاسية عام 2013.

قبضة مكتملة

وفي عام 2014، أكمل الحزب سيطرته على مفاصل البلاد، بعد انتصاره في الانتخابات المحلية، ثم تأكدت هيمنة حزب الحلم الجورجي على الساحة السياسية الجورجية في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، حين فاز بـ115 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا في البرلمان.

وبمرور السنوات، تحول "الحلم الجورجي" الذي طالما وصف نفسه بأنه حزب يسار وسط مؤيد لأوروبا، ويسعى إلى تحقيق التكامل الأوروبي الأطلسي، إلى حزب محافظ ثقافيًا بشكل واضح وغير ليبرالي ومتشكك في أوروبا.

ولطالما كان الانتقاد الرئيسي الموجه للحزب هو سياسته الخارجية المعادية للغرب والموالية لروسيا، رغم نفي الحزب.

ووفق تقارير صحفية، ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، ارتبط الحلم الجورجي بنشر روايات معادية للغرب، بما في ذلك مزاعم حول ”أحزاب الحرب العالمية“ (أحزاب المعارضة) التي تحاول "توريط جورجيا في حرب ضد روسيا".

وفي الآونة الأخيرة، أقرّ حزب الحلم الجورجي تشريعًا اعتبرته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متعارضًا مع طلبات عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وفي يونيو/حزيران 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولي حزب الحلم الجورجي بتهمة ”تقويض الديمقراطية“.