ارتفاع تكلفة البناء والفوائد.. هل تشهد ألمانيا فقاعة عقارية؟
تواجه سوق العقارات بألمانيا أزمة مرشحة للتصعيد، في ظل تضاعف أسعار الفائدة على القروض وارتفاع تكاليف البناء، ما ينذر بتلاشي الطفرة.
وبعد أكثر من اثني عشر عامًا من الازدهار العقاري في ألمانيا، يتوقع الخبراء انخفاض أسعار تملك الوحدات السكنية والمنازل، بالتزامن مع تزايد الإيجارات السكنية.
يرجع تزايد أسعار العقارات إلى ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وتكاليف البناء المرتفعة، إذ لم يعد بإمكان العديد من الناس والشركات تحمل تكلفة امتلاك العقارات أو الاستمرار في مشاريع البناء الحالية.
لذلك، يتحول الكثيرون إلى شقق مستأجرة، ما أدى لارتفاع الإيجارات بقوة، وهو ما يؤثر بدوره على العديد من الأشخاص في ألمانيا في ظل التضخم وأزمات المعيشة المرتبطة به.
وفي ألمانيا، يتملك حوالي نصف سكان البلاد (تعداد البلاد/ 82 مليون نسمة)، عقارات، وهو معدل أقل من أي بلد آخر في أوروبا، وفق تحليل لصحيفة بيلد الألمانية.
وفي هذا الإطار، تقول ميريام موهر، عضو مجلس إدارة العملاء في وسيط الائتمان "Interhyp": "نشهد حاليًا تزايد المعروض (للتمليك) في سوق العقارات، وتوسع نطاق المفاوضات حول الأسعار المقترحة".
وبحسب المكتب الفيدرالي للإحصاء "حكومي"، تراجعت أسعار العقارات السكنية بمتوسط 0.4 بالمئة في الربع الثالث من العام الماضي مقارنة بالربع السابق (في 2021).
فيما سجل اتحاد بنوك "Pfandbrief" الألمانية، انخفاضًا في الأسعار بنسبة 0.7 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، وهو أول تراجع في الأسعار يسجله الاتحاد منذ عام 2010، مقارنة بالربع نفسه من عام 2021.
هذا يعني أنه بعد أكثر من عقد من الارتفاع المطرد في أسعار العقارات في ألمانيا، عادت الأسعار للانخفاض مجددا في نهاية العام الماضي حتى في المدن المرغوبة، ومن المرجح أن يتسارع هذا الاتجاه، وفق ما نقلته صحيفة بيلد عن خبراء.
إذ يتوقع المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) حدوث انخفاض في أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 10٪ في عام 2023. لكن بنك "DZ" الألماني يتوقع انخفاضًا في الأسعار بحد أقصى من أربعة إلى ستة بالمائة في عام 2023.
وتعليقا على ذلك، يقول المحلل المالي تورستن لانجه "في حالة ملكية الشقق، يجب أن يكون انخفاض الأسعار أضعف نوعًا ما، وفي حالة المنازل والمباني الكاملة يكون أكثر وضوحًا".
ونظرا لتضاعف أسعار العقارات بشكل المطرد خلال العقد الماضي، فإن أي انخفاض في الأسعار في العامين المقبلين بنسبة تصل إلى 20%، سيعيد الأسعار إلى مستويات 2020.
لذلك، لا يرجح الخبراء أن تشهد ألمانيا فقاعة عقارية، إذ يعتبر سوق الإسكان قويًا حتى في الأزمات الاقتصادية لأن العقارات غالبًا ما يتم تمويلها بشكل متحفظ وعلى مدى طويل، وهي ميزة عندما ترتفع أسعار الفائدة.
بل أن العديد من مشتري العقارات حصلوا بالفعل أسعار فائدة منخفضة لمدة 10 أو 15 عامًا، لتمويل عمليات الشراء، وفق بيلد.
وبالإضافة إلى التمويل المتحفظ والقروض طويلة الأمد، فإن المعروض من الشقق والعقارات ليس كبيرا بشكل كافي لتفجير فقاعة عقارية.
بالإضافة إلى ذلك، رصدت صحيفة بيلد، موجة من إلغاءات في مشاريع البناء في الأشهر الماضية، كما تراجع الطلب على الإقراض العقاري وتصاريح البناء، بسبب تزايد تكلفة مواد البناء وتضاعف أسعار الفائدة.
ومنذ بداية العام، تضاعفت أسعار الفائدة على القروض ذات العشر سنوات أكثر من ثلاثة أضعاف، إلى جانب ارتفاع تكاليف البناء، ما فاقم عبء البناء أو التملك بالنسبة للعديد من الأشخاص.
كما أن هدف الحكومة الفيدرالية الحالية المتمثل في بناء 400000 شقة جديدة سنويًا، بات مستحيلا في ظل الأوضاع الحالية، إذ تتوقع الجمعيات والمنظمات المتخصصة، بناء 245000 شقة فقط في العامل المقبل.
ونظرا لتعقد سوق التملك، تتوقع دراسة أجراها "لاندس بانك"، تحول الطلب جزئيًا إلى سوق الإسكان الإيجاري وزيادة الضغط في هذا السوق الأخير "الإيجارات".
وبالفعل، زادت الإيجارات في العقود الجديدة مؤخرًا بنسبة خمسة بالمائة، وفق إحصاءات بنك "DZ".
وفي هذا الإطار، يقول المحلل لانج: "هناك ضغط كبير على سوق الإيجارات"، و"لن يتغير الوضع في العام الحالي"، مضيفا "تتجه الشركات إلى نقل تكلفة البناء إلى المستأجرين وبالتالي زيادة الإيجارات".
ووفق صحيفة بيلد الألمانية، ارتفعت الإيجارات بنسبة 5.8 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بالربع نفسه من العام الذي سبقه، في جميع الولايات الفيدرالية.