صعود «أقصى اليمين» بألمانيا.. الأسباب الخفية والتداعيات السياسية

لم يكن صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" مجرد حدث انتخابي عابر، بل يعكس تحولات أعمق في المشهد السياسي والاجتماعي الألماني.
هكذا ترى مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تحليل لها طالعته "العين الإخبارية".
ففي مشهد سياسي ألماني متقلب، برز حزب "البديل من أجل ألمانيا" (أقصى اليمين) كقوة مؤثرة، ليس فقط من خلال صعوده الانتخابي، بل أيضا من خلال قدرته على تحريك الخطاب السياسي في البلاد.
فبعد أن حقق الحزب نسبة 21% في الانتخابات الأخيرة التي جرت الأحد، مضاعفا بذلك نتائجه مقارنة بعام 2021، أصبح من الواضح أن استراتيجيته القائمة على استغلال قضايا مثل الهجرة والشعبوية العنصرية قد نجحت في جذب ناخبين جدد وإعادة تشكيل أولويات الأحزاب التقليدية.
"ليس من فراغ"
لكن هذا الصعود لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تحولات عميقة في المجتمع الألماني، خاصة في الولايات الشرقية، حيث وجد الحزب أرضا خصبة لرسالته المتشددة.
عندما أُعلنت نتائج الانتخابات الأخيرة، اعترفت قيادة الحزب، ومن بينها زعيمته أليس فايدل، ومئات المؤيدين، أن نسبة الـ21٪، كانت "انتصارا واضحا"، على الرغم من فوز الديمقراطيين المسيحيين المحافظين بأصوات أكثر بنسبة 8 نقاط مئوية.
وعلى الرغم من حقيقة أن الأحزاب الأخرى في ألمانيا ترفض الحكم معها، فقد نجح "حزب البديل من أجل ألمانيا" - وهو حزب معادٍ للأجانب، في الخروج من الهامش بشكل نهائي وتم وضعه في قلب السياسة الألمانية.
ولكن ما هو أكثر أهمية من ذلك- بحسب فورين بوليسي- هو أن الحملة الانتخابية أظهرت كيف يمكن لهذا الحزب الذي يعمل حصريا من صفوف المعارضة، أن يستغل الشعبوية العنصرية الخام لتغيير الخطاب السياسي في البلاد وتحريك المنافسين في اتجاهه.
ولفتت المجلة إلى أن الهجرة شكّلت للحزب "هراوة" استخدمها بلا رحمة لإجبار كل حزب آخر (باستثناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري) على تشديد مواقفه بشأن معاملة طالبي اللجوء، واللجوء السياسي بحد ذاته، وممارسات الشرطة، وهجرة العمالة، وسياسات الحدود.
"الفخ"
وينطبق هذا أيضا على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والمستشار القادم المحتمل لألمانيا، فريدريش ميرز.
وردا على طبول "البديل من أجل ألمانيا" وسلسلة من الحوادث التي شملت طالبي اللجوء في البلاد، ألقى ميرز الحذر جانبا في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، قبل أسابيع فقط من التصويت، لتحويل تركيز الحملة من الاقتصاد (وهي تخصصه) إلى الهجرة، مصدر قلق أقصى اليمين.
وذهب ميرز إلى حد اقتراح مجموعة من التدابير التي تقيد الهجرة من قاعة البوندستاغ (البرلمان) بمساعدة أصوات حزب "أليس فايدل"- وهي الخطوة التي تعهد هو وغيره من السياسيين السائدين بعدم اتخاذها أبدا - وبالتالي تآكل "جدار الحماية" المناهض لـ"البديل من أجل ألمانيا" الذي تعهدت الأحزاب الوسطية باحترامه.
وفي هذا الصدد، تقول "فورين بوليسى"، إنه "بعيون مغلقة، وقع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في فخ أدى إلى تهميش أو حتى اختفاء أحزاب يمين الوسط في جميع أنحاء أوروبا".
فمن خلال الاستجابة لدعوة أقصى اليمين، يغذي المحافظون في أوروبا المتطرفين الذين يعتبرهم الناخبون في نهاية المطاف أكثر أصالة أو إقناعا بشأن قضاياهم الأساسية - على حساب المحافظين.
وفي حين حصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على أصوات أكثر من حزب البديل لألمانيا، فإن نسبة 28.5٪ التي حصل عليها تعد ثاني أدنى نسبة له على الإطلاق وأقل بعدة نقاط من استطلاعات الرأي قبل مناورة ميرز المثيرة للجدل.
وتُظهر بيانات الانتخابات أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والديمقراطيين الاجتماعيين خسروا ناخبين لصالح حزب البديل لألمانيا.
كيف تأسس "البديل"؟
وتأسس "البديل من أجل ألمانيا" عام 2013، من مجموعة من خبراء الاقتصاد الليبراليين الجدد المنتقدين للاتحاد الأوروبي والذين شككوا في دور بلادهم في الأزمة المالية الأوروبية في عامي 2009 و2010 واستبدال المارك (عملة ألمانيا)، باليورو.
ولكن بعد فترة وجيزة من تأسيسه، بدأ الحزب يتسلل إلى اليمين - حيث حدثت نجاحاته المبكرة في الولايات الشرقية في ألمانيا، والتي أثبتت أنها معقله منذ ذلك الحين.
وقال روديجر ماس، مؤلف الكتب الأكثر مبيعًا عن ألمانيا، لمجلة فورين بوليسي:"في البداية، استقطب حزب البديل من أجل ألمانيا الناخبين الأكبر سنا الذين اعتبروا أنفسهم محافظين لكنهم كانوا محبطين من (أنجيلا) ميركل".
أما دانييلا روثر، المؤرخة في جامعة بوخوم، فلفتت إلى أن "حزب البديل من أجل ألمانيا كان في البداية حزبا ذكوريا يجذب الرجال قبل كل شيء"، مضيفة: "ومثل كل حركة وطنية محددة عرقيا في التاريخ الألماني، فإنها تضع الأسرة التقليدية مع تسلسلها الهرمي الذي يقوده الذكور، في مركز المجتمع".
وفي حديثها مع "فورين بوليسي"، قالت روثر، إن حقيقة أن حزب البديل من أجل ألمانيا يقوده اليوم امرأة، تبدو وكأنها تناقض".
وأشارت إلى إنه إذا وصل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى السلطة، فإن فايدل سوف يتم تهميشها تماما كما حدث مع خصمها الأنثوي سيرينا جوي في الثورة المحافظة في رواية مارغريت أتوود "حكاية الخادمة".