لقد تغيرت المواقف الأوروبية تجاه حزب الله خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الحرب في سوريا.
في يوم 30 أبريل 2020، صنّفت ألمانيا حزب الله منظمة إرهابية، وألقت القبض على أكثر من 1000 شخص ينتمون إلى هذه المنظمة. يُعَد هذا القرار تحولا كبيرا في السياسة الألمانية، وله تأثيرات على الاتحاد الأوروبي وحزب الله ولبنان. إن تصنيف ألمانيا لمنظمة حزب الله بأكملها يعكس السياسات الوطنية والسياسات الأوروبية طويلة الأمد. كان حزب الله ينقسم إلى منظمتين مستقلتين، حزب سياسي مع ممثلين في البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية، ومليشيا مسلحة مدعومة من إيران، وعلى عكس الأولى، تم تصنيف الثانية على أنها جماعة إرهابية. حافظ الأوروبيون على التمييز بينهما حتى يتمكن الأعضاء من إقامة علاقات سياسية مع لبنان، وبالمثل، كانت القدرة على التحدث مع حزب الله بالنسبة للكثيرين، غاية إيجابية في حد ذاتها.
أدت مشاركة حزب الله في تنفيذ استراتيجية إيرانية إلى تغيير في وجهة نظر الجانب الأوروبي المتعاطف مع حزب الله، من مجموعة مقاومة تكافح من أجل لبنان، إلى مجموعة مرتزقة أجنبية ومليشيا خارجة عن القانون.
وكجزء من المسار المزدوج، سمح الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لحزب الله بتشغيل بنية تحتية واسعة النطاق للدعم دون أن تتعرض لتدخل من جانب أوروبا. حتى عملية التفجير القاتل التي قام بها حزب الله في بلغاريا عام 2011 لم تغير هذه الشروط. إذا ما الذي دفع ألمانيا إلى تغيير موقفها؟
نهاية الحرب في سوريا
لقد تغيرت المواقف الأوروبية تجاه حزب الله خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الحرب في سوريا. إن الكارثة الإنسانية ليست مجرد مسألة معنوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ ففي عامي 2015 و2016، وصل أكثر من مليوني لاجئ إلى أوروبا، قرابة نصفهم سوريون، وأسهم الارتفاع المفاجئ في عدد اللاجئين إلى زيادة عدد الأحزاب اليمينية والشعوبية المناهضة للمهاجرين في جميع أنحاء أوروبا؛ ما خلق أزمة عمّقت أوروبا ما بين مؤيد ومعارض.
أدت مشاركة حزب الله في تنفيذ استراتيجية إيرانية، إلى تغيير في وجهة نظر الجانب الأوروبي المتعاطف مع حزب الله، من مجموعة مقاومة تكافح من أجل لبنان، إلى مجموعة مرتزقة أجنبية ومليشيا خارجة عن القانون، ولكن يبدو أن حزب الله وحلفاءه من الإيرانيين قد انتصروا في نهاية الحرب.
التأثيرات
التأثيرات واسعة النطاق لقرار ألمانيا تجاه دول أوروبا ليست واضحة، كما أنّ قيادة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي تسهل على الأعضاء الآخرين أن يحذوا حذوها. ومع ذلك، قللت المستشارة ميركل من شأن ذلك، واليوم أصبح موقف حزب الله محفوفا بالمخاطر. بالنسبة لإيران، فإن الضغط الاقتصادي الأمريكي، وانهيار أسعار النفط، والتكلفة المالية لـ"كوفيد-19"، تجعلها غير قادرة على الاحتفاظ بمئات الملايين من الدولارات التي تدفعها سنويا لشريكها الاستراتيجي. من جانبه ينفق حزب الله هذه الأموال على مجموعة من الخدمات بهدف المحافظة على ولاء مؤيديه، وقد خفضت المنظمة رواتب أعضائها في 2018 و2019، ومن المحتمل إجراء تخفيضات أكبر، كما حاولت المنظمة مؤخرا تعزيز قبضتها على الوزارات الرئيسية في لبنان. سيعوض المال المكتسب من هذه الوزارات جزءا من التخفيضات المالية الإيرانية، لكن سيتعين عليها الاعتماد بشكل متزايد على شبكتها المالية الدولية.
يأتي قرار ألمانيا ليجعل ذلك أكثر صعوبة، وبالطبع سوف يُصعّب على حزب الله استمرار سيطرته على قاعدته الشيعية التي كانت بالفعل غير راضية عن قتال الحزب في سوريا. ولقد شاركت الطائفة الشيعية ضمن الاحتجاجات التي قام بها المجتمع اللبناني خلال عامي 2019 و2020، والتي كانت لها في بعض الأحيان مواقف مناهضة لحزب الله.
من الواضح أن هذا القرار يمكن أن يكون كارثيا على لبنان؛ لأن تصنيف ألمانيا لحزب الله منظمة إرهابية يعني أن الحكومة الألمانية والمؤسسات المالية والشركات والأفراد لم يعد بإمكانهم التعامل مع الحكومة اللبنانية بشكل قانوني، وربما يدفع ألمانيا إلى التصويت لصالح منع تقديم المساعدات والدعم للبنان من جانب صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، وربما يجبر الحكومة اللبنانية وحزب الله على اتخاذ قرار صعب.
والسؤال الذي يمكن طرحه، هل يبتعد حزب الله وينسحب من الحكومة؟ طبعا هذا غير مرجح، سيستمر بالقتال وسيقود لبنان إلى أزمة وجود من الصعب التنبؤ بنتائجها لكنها من المرجح أن تكون فوضى داخلية في ظل ظروف قاهرة تمر على العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة