"ميونخ للأمن" يعيد ضبط البوصلة.. مرحلة جديدة في الحرب الأوكرانية
ما إن تدلف محيط مؤتمر ميونخ، وتدخل إلى قاعاته، حتى تخترق آذانك كلمات بعينها "الدعم، التسريع، النصر"، وكلها مرتبطة بالحرب الأوكرانية.
تلك الكلمات ترددت كثيرا على ألسنة أهم السياسيين في الغرب في أروقة المؤتمر وأمام الكاميرات، حتى باتت صكا لمؤتمر أمني؛ هو الأبرز في العالم ويلتئم مرة سنويا منذ 60 عاما.
مؤتمر ميونخ للأمن توشح بالأصفر والأزرق، تماما مثل أعلام أوكرانيا التي غطت أسقف وواجهات المباني التاريخية في ميونخ، فيما شارك المئات في مظاهرة السبت، قرب مقر انعقاد المؤتمر، هتفوا فيها: "النصر والحرية" دعما لكييف.
لكن كلمات الدعم كان لها عدة أوجه؛ فهناك من طالب بتكثيف وتسريع تسليم الأسلحة، فيما تعهد آخرون بالوقوف إلى جانب كييف مهما استغرق الأمر، بينما كان هناك فريق ثالث أمر بمراعاة توقيت التسليم.
والشاهد بين الثلاثة، أن مؤتمر ميونخ، بتمثيله الواسع للدول الغربية، ربما يدشن مرحلة جديدة في الأزمة الأوكرانية، تتزامن مع إتمام الحرب عامها الأول، وقد تشهد إلقاء كل الأوراق في ساحة الاستقلال؛ أهم ساحة في كييف.
"مهما طال الأمر"
البداية مع نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس التي اعتبرت في كلمتها ضمن فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن، أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" أقوى من أي قت مضى"، وأن روسيا "أضعفتها" المعارك الدائرة في الأراضي الأوكرانية.
هاريس قالت بتصميم وكلمات واضحة إن بلادها تحت قيادة الرئيس جو بايدن، أظهرت قيادة قوية وحاسمة، مشددة على أن الولايات المتحدة ستواصل دعم أوكرانيا "مهما طال ذلك".
ورأت نائبة بايدن أن روسيا أصبحت "أضعف بعد نحو عام من عمليتها العسكرية في أوكرانيا"، مشددة على ضرورة عدم السماح بتغيير حدود الدول بالقوة وحماية حقوق الإنسان.
"شولتز يفتح الباب"
المستشار الألماني أولاف شولتز قال في كلمته أمام المؤتمر،: "سنواصل تحقيق التوازن بين تقديم الدعم لأوكرانيا وتجنب التصعيد غير المقصود".
وتابع شولتز: "هذا يعني أن كل من يمكنه تزويد أوكرانيا بدبابات القتال يجب أن يفعل ذلك الآن"، مضيفًا أنه "سيقوم بحملات مكثفة" بين الحلفاء للتحرك في هذه القضية.
ومضى قائلا: "يمكننا الآن أن نقول إن ألمانيا هي أكبر مورد للأسلحة إلى أوكرانيا في القارة الأوروبية ، وسنواصل القيام بذلك".
ومع ذلك، أعلن المستشار الألماني، أن أي خطوات نوعية أخرى في شحنات الأسلحة تتجاوز الدبابات لن تتم إلا بالتنسيق الوثيق مع الحلفاء، تاركا الباب مفتوحا أمام استمرار الدعم النوعي بكل أشكاله.
حديث شولتز جاء ردا على سؤال حول طلب كييف تزويدها بمقاتلات جوية حديثة، لموازنة القوة الجوية الروسية الضاربة، وهو الطلب الذي لا يزال متروكا دون إجابة واضحة من الحلفاء الغربيين.
"سوناك يلقي الحجر"
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان واضحا في رؤيته للحرب في أوكرانيا، فقال في كلمته بمؤتمر ميونخ "هجوم روسيا يجب أن يفشل.. لا يجب أن تنتصر روسيا في هذه الحرب".
وتابع "نحن جاهزون لتكيف جهودنا (في دعم أوكرانيا).. الأشهر والأسابيع المقبلة صعبة، لكننا لا نأمل في صراع طويل".
لكنه ترك الباب مفتوحا أمام تسوية أيضا، حين قال "لا أحد يستطيع تغيير جغرافيا روسيا، وروسيا ستظل جزءا من القارة الأوروبية"، مضيفا "لن يكون هناك سلام مستقر في قارتنا بدول حل المسألة الروسية بطريقة معقولة".
إلا أن ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني، كان حاسما فيما يتعلق بموقف بلاده من دعم كييف، قائلا: "سنواصل تقديم الدعم إلى أوكرانيا وإرسال المعدات العسكرية (..) نحتاج إلى استراتيجية عسكرية وأمنية حتى تنتصر أوكرانيا على روسيا".
وتابع: "نعمل مع الحلفاء على توفير أفضل أنظمة الدفاع الجوي إلى أوكرانيا"، قبل أن يقفز خطوة للأمام ويقول بوضوح: "مستعدون لدعم جميع الحلفاء' لتقديم طائرات مقاتلة إلى كييف الآن".
"أوكرانيا تتلقفه"
وبالتزامن مع كلمة سوناك في اليوم الثاني لمؤتمر ميونخ وحديثه عن دعم تسليم المقاتلات لكييف، كان وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، يستجيب للمبادرة البريطانية على طريقته الخاصة.
فكوليبا قال في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر ميونخ، حضرته "العين الإخبارية": "أنا على يقين بأن أوكرانيا ستحصل على المقاتلات.. الأمر مسألة وقت".
وتابع "منذ البداية كان لدينا فهم واضح لما نريده، وكنا نريد أن نصبح مؤهلين للدفاع عن أنفسنا (..) كنا نريد الحصول على 7 أنواع من الأسلحة، وحصلنا بالفعل على 6 منها حتى الآن، منها المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والدبابات والصواريخ".
وزير الخارجية قال أيضا: "ما بقي هو المقاتلات، وإذا حصلنا عليها فسنكون حصلنا على الأنواع الـ7 التي حددناها منذ البداية".
لكن كوليبا أثار أمرا آخر، قائلا: "حصولنا على 6 أنواع من الأسلحة حتى الآن، يظهر التزام حلفائنا بدعمنا"، موضحا: "رسائلي الرئيسية الآن، هي سرعة تسليم الأسلحة، واستمرار تسليم الأسلحة" لأوكرانيا.
مسألة "تسريع تسليم الأسلحة" التي أثارها كوليبا، وأكد عليها بقوله: "يجب أن نحصل على الشيء في توقيته ليصبح مناسبا"، وجدا آذانا صاغية في جلسة أخرى في مؤتمر ميونخ، حضرتها رئيسة المفوضية الأوروبية.أرسولا فون دير لاين، والتي دعت إلى تكثيف تقديم الأسلحة لأوكرانيا وتسريع وتيرة هذه العملية.
الخلاصة أن حديث تسريع وتيرة تسليم الأسلحة الحديثة، وهمهمات المقاتلات التي تتحرق أوكرانيا شوقا لتسلمها، يمكن أن تدشن مرحلة جديدة في الحرب، تقف فيها كييف الند بالند أمام أسلحة روسيا في كل القطاعات تقريبا، لأول مرة.
سرعات متفاوتة
لكن الخبير البارز في الشؤون الروسية بالمركز الأوروبي للشؤون الخارجية، جوستاف غريسل، قال لـ"العين الإخبارية": "إن هذه (التصريحات) تبقى خطابات سياسية".
واستدرك قائلا: "على الأقل في الجانب الأمريكي، أدرك إدارة جو بايدن أن مساعدة أوكرانيا على البقاء ودفع أوكرانيا للانتصار هما وجهان لعملة واحدة، لذلك ستدعم تحقيق هذا الهدف "انتصار أوكرانيا" بما يتطلبه من دعم، وأنا متفائل بشأن ذلك".
بيد أن غريسل قال إنه ليس متأكدا من إمكانية أن تحذو أوروبا حذو الولايات المتحدة، لأن "هناك العديد من المسائل البيروقراطية والسياسية تعيق الأفعال".
لذلك، فإن مؤتمر ميونخ في نسخته الـ59، ترك الحرب في أوكرانيا والدعم الغربي لكييف، على شفا مرحلة جديدة، يمكن أن تشهد محاولة غربية لوضع كييف على درجة قريبة من روسيا من ناحية التقنية العسكرية، في حال تسليم المقاتلات الحديثة للقوات الأوكرانية.
لكن الأمر ليس سهلا كما يبدو عنوانه؛ فتسليم مقاتلات متقدمة ومعقدة يحتاج لتدريب الطيارين الأوكرانيين الذين اعتادوا العمل على أنظمة طيران سوفيتية قديمة، وهذا في حد ذاته معضلة لوجستية صعبة، وفق مراقبين.
aXA6IDMuMTQxLjEyLjMwIA== جزيرة ام اند امز