زواج السلاح وكرة القدم.. «راينميتال» تنزف قبل الأوان في نهائي أوروبا
لم يمضِ يومان على إبرام شركة الصناعات الدفاعية "راينميتال" الألمانية، صفقة رعاية، مع نادي بروسيا دورتموند، حتى تكبدت الخسائر.
الصفقة جاءت قبل يومين فقط من يوم صفارة بداية مباراة نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا لأندية كرة القدم، التي جمعت دورتموند مع فريق ريال مدريد الإسباني.
وفي بيان إعلان الصفقة، قال رئيس بروسيا دورتموند، هانز يواكيم فاتسكه، إن النادي "يفتح أبوابه للحوار" من خلال الشراكة مع صانع الأسلحة الألماني العملاق.
ودافع عن الاتفاقية بالقول إنه في الواقع الحالي المرتبط بالحرب في أوروبا "الأمن والدفاع هما حجر الزاوية الأساسي لديمقراطيتنا".
وأثارت الصفقة نقاشاً حول انتقال صناعة الأسلحة إلى "الاتجاه السائد" في بلد لا يزال يتشكل بفعل إرث الحرب العالمية الثانية، حيث لا تزال المسائل العسكرية من المحرمات.
واعترف وزير الاقتصاد الأخضر ونائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، بأن الصفقة كانت "غير عادية" ولكنها عكست واقع "عالم مختلف وأكثر تهديداً".
"لا.. على مستويين"
وأعرب العديد من مشجعي دورتموند عن الاستياء من الصفقة، مشيرين إلى أن مدونة أخلاقيات النادي تتضمن الالتزام بمجتمع خالٍ من العنف.
وعلى سبيل المثال، انتقد منشور على مدونة مشجعي دورتموند "Schwatzgelb.de" النادي بسبب افتقاره إلى الشفافية وتساءل عما إذا كان "تعزيز الأمن القومي ليس مهمة السياسة وإنما نادي كرة القدم؟!".
الصفقة رمت من ضمن أهدافها إلى وضع شعار شركة الأسلحة على قميص دورتموند في النهائي الأوروبي الأكثر متابعة عالميا على صعيد الأندية.
لكن راينميتال عاشت ليلة سبت سيئة، إذ خسر نادي بروسيا دورتموند النهائي المنتظر أمام ريال مدريد بهدفين مقابل صفر في أول احتكاك للراعي الجديد مع جماهير دورتموند.
وعلى الرغم من سيطرته على أجزاء من المباراة النهائية وخلق فرص واضحة، فإن دورتموند استسلم في النهاية في المراحل الأخيرة أمام ريال مدريد الذي فاز بلقبه الخامس عشر ليعزز رقمه القياسي.
نموذج للرياضة؟
صفقة دورتموند-راينميتال، التي تبلغ قيمتها ملايين اليوروهات على مدار ثلاث سنوات، تتضمن نشر صانع الأسلحة رسائل تسويقية عبر ملعب دورتموند الشهير والمكتظ دائما بالجماهير.
وفي تعليقات أوردتها صحيفة "فيلت" الألمانية، أشار المتحدث باسم حزب اليسار في شمال الراين وستفاليا، ساشا فاغنر، إلى أن "الرياضة من المفترض أن توحد الناس والأمم".
وأضاف أن شركة مثل راينميتال "مسؤولة جزئيًا عن المعاناة والموت الناجم عن الأسلحة"، و"لا يمكن أن تكون بمثابة نموذج يحتذى به في الرياضة".
وفي ملاحظة متقاطعة، يبدو أن المجالين الدفاعي والسياسي سيقتحمان عالم كرة القدم كثيرا في الفترات القادمة، إذ شاهدت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة والرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية، بشكل غير عادي، المباراة النهائية في مدريد مع زعيم الحزب الشعبي الإسباني المحافظ ألبرتو نونيز فيجو.
وتوجد فون دير لاين في إسبانيا في محاولة للحصول على 361 صوتًا في البرلمان الأوروبي ستحتاجها لتأمين فترة ولاية ثانية على رأس المفوضية الأوروبية.
مجرد بداية
وبالنسبة لشركة راينميتال، فإن صفقة دورتموند هي مجرد خطوة أولى نحو إزالة وصم "المحرمات" من تجارة الأسلحة في ألمانيا، وفق مجلة بولينيكو الأمريكية.
وتهدف الشركة المدعومة بالطلب القياسي من الحلفاء الغربيين على الأسلحة في سياق الحرب بأوكرانيا، إلى أن تصبح أكبر منتج منفرد في العالم لذخائر المدفعية هذا العام في الوقت الذي تتطلع فيه إلى تلبية الطلب المتزايد على الأسلحة عالميا.
وتمثل ملايين اليورو المدفوعة في صفقة الرعاية الكروية مع دورتموند جزءًا صغيرًا من 40 مليار يورو يقدر مسؤولو الشركة أن راينميتال تحصل عليها من صندوق خاص للحكومة الألمانية لتحديث الجيش الألماني.
وبالتالي، فإن إنفاق بعض هذه الإيرادات على فريق يلعب مبارياته في ملعب على بعد 45 دقيقة بالسيارة من المقر الرئيسي للشركة من شأنه أن يساعد في تحويل صانع المركبات المدرعة والقذائف إلى اسم مألوف ومقبول جماهيريا.
وفي السياق، قال أرمين بابرجر، الرئيس التنفيذي للشركة، إن وضع شعار راينميتال الأزرق على جدران الملاعب التي تستضيف مباريات على أعلى مستوى للرياضة الأكثر شعبية في العالم، يهدف إلى جعلها "معروفة بشكل أفضل على المستوى الدولي".
وأضاف أن شركته يجب أن تُعرف كشركة دفاع ذات وزن صناعي ثقيل و"كمحرك للابتكارات الصناعية في الأسواق المدنية".
ووفقا لبوليتيكو، تعد هذه الصفقة جزءًا من حملة أوسع نطاقًا داخل صناعة الدفاع الأوروبية لاكتساب المصداقية.
إذ يسعى المسؤولون التنفيذيون إلى الوصول إلى أسواق التمويل التجاري ويسعون إلى امتصاص المزيد من التمويل العام لتوسيع مرافق البحث والقدرة التصنيعية للمصانع.
الجدير بالذكر أن هذه ليست أول صفقة رعاية مثيرة للجدل في تاريخ كرة القدم الألمانية الحديث. فأكبر منافس محلي لدورتموند، شالكه، كان يحظى برعاية شركة الطاقة الروسية العملاقة، غازبروم، لمدة تزيد عن عقد من الزمان.