أولاف شولتز.. عراب القفز إلى الأمام يصل «المحطة الأخيرة»

إذا كان هناك عنوانا واحدا يحكم مسيرة المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز السياسية منذ صعوده الأول، فسيكون "عراب القفز إلى الأمام".
فالرجل الذي خبر كل جوانب السياسة الألمانية، لم يكن صاحب تحد، أو الشخصية التي تطوي الأكمام وتنغمس في المشاكل، وإن فعل ذلك في لحظات عابرة، بل كان يفضل دائما الالتفاف على الأزمات وتأجيلها، والمضي قدما، حتى وصل إلى المحطة الأخيرة مجبرا.
ما نتيجة ذلك؟ الخسارة المدوية للسلطة، وقيادة حزبه إلى أضعف نتائجه في الانتخابات التشريعية منذ الحرب العالمية الثانية، والابتعاد عن صاحب المرتبة الأولى بفارق 15 نقطة.
٣ سنوات من الحكم في إطار تحالف ثلاثي ضم حزبه الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، ميزها تجنب الصدام حتى يكون لابد منه، والقفز إلى الأمام حتى تكون الحكومة على وشك الانهيار، ثم عقد اجتماع أزمة يستمر أياما بلا انقطاع، يخرج بحل وسط حتى الأزمة التالية.
ورغم أن هذه السياسة نجحت عدة مرات، إلا أنها فشلت في مرة أخيرة وحاسمة يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر خلاف بين شولتز ووزير المالية وزعيم الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندر، حول الميزانية وخطة إنعاش الاقتصاد، أدت إلى انهيار الحكومة واللجوء لانتخابات مبكرة، تجري وقائعها اليوم الأحد.
لحظة فراغ
ويدين شولتز الحائز على إجازة جامعية في القانون، في صعوده للمستشارية، إلى أنغيلا ميركل زعيمة المحافظين السابقة، التي ترك خروجها من السياسة فراغا قياديا في حزبها، أضعف حظوظه، ودفع صعود شولتز مرشح الاشتراكيين، لكونه ثاني أكثر السياسيين خبرة بالدولاب الحكومي في البلاد في ذلك الوقت.
إذ شغل في الفترة بين 2018 و2021، منصب وزير المالية؛ أهم حقيبة في الحكومة، بالإضافة إلى منصب نائب المستشارة.
وقبل ذلك، شغل شولتز منصب عمدة هامبورغ "وسط"، وهي واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في ألمانيا وفي أوروبا بأثرها، في الفترة بين عامي 2011 و2018، ووزير العمل على المستوى الاتحادي بين عامي 2007 و2009.
شولتز المعروف بلقب "رجل السنافر" لتشابه ابتسامته بالشخصية الكارتونية الشهيرة، سبق وقت صعوده إلى الحكم، بحديث متكرر عن رغبته في أن يصبح مستشارا ويقود ألمانيا لسنوات.
ففي أبريل/ نيسان 2019، تحدث شولتز لمدة 40 دقيقة في معهد بيترسون للدراسات في واشنطن عن "التعددية في النظام الدولي" و"الفلسفة السياسية"، و"التنمية المستدامة"، أمام جمع من الصحفيين والمتابعين.
وعندما بدأ الملل يضرب القاعة، وجه أحد الحضور سؤالا لشولتز: حزبك يؤدي بشكل سيئ في استطلاعات الرأي، ماذا يمكن أن يفعله الحزب حيال ذلك؟، ورد السياسي المخضرم: يحب أن يدعم الحزب التوازن الاجتماعي والثقة في المستقبل، كما يجب أن يستعد لحكم البلاد.
واعتبرت وسائل الإعلام الألمانية في ذلك الوقت، رد شولتز، تعبيرا واضحا عن رغبته في أن يصبح مستشارا خلفا لميركل، بل ذهبت مجلة "دير شبيغل" المرموقة للقول إنه "أطلق بالفعل حملته من أمريكا".
صعود قوي
وبحملة قوية وبرنامج يركز على قضيتي المناخ والرعاية الاجتماعية، حقق شولتز قفزات كبيرة في شهرين فقط في 2021، وتحرك حزبه تدريجيا من المرتبة الثالثة، إلى المقدمة، ووصل القمة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات.
تلك الفترة كانت من اللحظات العابرة التي طوى فيها شولتز أكمامه وقفز في المعترك، مستغلا المشاكل التي يعانيها خصمه الأهم؛ الاتحاد المسيحي، بعد خروج ميركل من السياسة، وتفوق عليه بفارق ضئيل للغاية في انتخابات 2021.
وقبل هذا الانغماس في التحد، مارس شولتز هوايته في القفز إلى الأمام، حينما تجاهل تنفيذ الشرطة بأمر من الادعاء العام، تفتيش في أروقة وزارة المالية التي يترأسها، قبل الانتخابات، لفحص اتهامات في تلكؤ الوزارة في مواجهة جرائم غسيل الأموال.
وفي ذلك الوقت، اكتفى شولتز بمهاجمة الخطوة ووصفها بـأنها "مسيسة وترمي لتحقيق هدف سياسي"، واستمر في مراوغة القضية طوال حكمه، دون حسمها.
تراجع البريق
ورغم هذا الصعود الصعب إلى السلطة، إلا أنه تبخر سريعا مع قيادة شولتز للحكومة، وتراجعت شعبيته وشعبية حزبه منذ لحظته الأولى على كرسي الحكم، واستمر الأمر حتى خسارته الانتخابات اليوم بنتيجة صعبة.
هذا التراجع المدفوع بأداء صعب للحكومة وتراجع للاقتصاد، وغياب للحلول الناجعة لمشاكل البلاد الهيكلية، لا ينفي وجود لحظات استثنائية وناجحة، مثل لحظة إعلانه التخلي عن السياسة السلمية وإعادة تسليح الجيش، بعد أيام من بداية حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
كما أن الخلافات بين أحزاب الائتلاف الحاكم أضعفت كثيرا من صورة المستشار، وأظهرته في صورة "غير القادر على جمع الحكومة معا"، أو السيطرة على الأمور فيهاـ ما أضعف ثقة الناخبين فيه.
aXA6IDE4LjIyNy40OS45NCA= جزيرة ام اند امز